رجاء العتيبي
لم يكن بوسع أبي حنيفة أن يمد قدمه لولا أن الشخص الذي أمامه تكلم بكلام (سطحي), فعرف أبو حنيفة أن الموقف لا يحتاج كل هذا التحفّز والانتباه والاحترام, وعرف أن (ما في الخرج أحد) فمد قدمه, هذا الكلام ينطبق جملةً وتفصيلاً على (محتوى تويتر) وغيره من قنوات التواصل الاجتماعي, ضَمّنْهُ ما يستحق وإلا مد الناس أقدامهم.
قد لا نلوم (مشاهير الحمقى) في قنوات التواصل الاجتماعي, وإنما نلوم جهات حكومية لا تعرف أهمية المحتوى في (حساباتهم على تويتر), فكثير منها أسندت ذلك (لحمقى) يجهلون كل شيء: يجهلون وظيفة تويتر وأهميته ومعناه ومفهومه, يجهلون التحرير العربي, يجهلون مقامات الناس, يجهلون لغة الجماهير, يجهلون لغة الخطاب الإعلامي, يجهلون السياق العام للمجتمع, يجهلون الأحداث الآنية, يجهلون اتجاهات الناس, ليس لديهم مهارة ولا ذكاء ولا حكمة.
المتتبع لتويتر خلال السنوات الماضية وحتى الآن, يجد طوام في حسابات عدد من الجهات الحكومية على (تويتر), ومكارثيات حدها الفصل النهائي لمن يحرّر الحساب, أو يشرف على محتواه, لأن جملة واحدة كفيلة بأن تعود بأثر سلبي على المنشأة, وعلى من فيها, ما يجعلها معرضة لاهتزاز الثقة مع الآخرين, وإذا اهتزت الثقة انفض الناس من حولك, وبقيت وحيداً لا معنى لك في هذه الحياة.
« تحدث أقل لك من أنت», هي بمثابة تعريف لـ: صناعة المحتوى وإدارته لدى المنشآت الحكومية, أهمها أن تويتر ليس مساحة للجدل (والطلايب) والإقناع والدخول في معترك مع الآخرين, هي أداة تواصل لا أقل ولا أكثر, ويمكن أن تكون جسراً يحيل إلى الموقع الإلكتروني للمنشأة أو إشهاراً لأنشطتها بأسرع وقت, وغير ذلك من المهام المكتوبة (نصاً) على الحساب الرسمي لـ تويتر نفسه.
المأساة أن أخطاء المحتوى تكرّر في كثير من حسابات المنشآت الحكومية, ويراها الكل هنا وهناك, ويعلّق عليها الكثير, ويفتح (وسم) نشط لها, ومع ذلك لا حياة لمن تنادي, ففي كل يوم يمر نرى الخطأ نفسه, والمحرّر نفسه, والسطحية نفسها, والكلام الركيك نفسه, وكأن الأمر لا يعنيهم.
لعل المشكلة مالية, فالجهة الحكومية قد لا تملك الميزانية الكافية, لاستقطاب المبدعين في صناعة المحتوى من الإعلاميين والكتّاب والمفكرين, أو لعلها عدم اكتراث بمحتوى تويتر, أو لعلها محسوبيات لا يهمها مصلحة المنشأة, أو لعلها نظام مهلهل, أو لعلها المثل الشعبي (الضرب في الميت) حرام.