د. حسن بن فهد الهويمل
لم أشرف بإجابة دعوة [العلاقات العامة بإمارة القصيم] لحضور جلسة سمو الأمير الثرية بكل القيم. ومن ثم لم أظفر بمعرفة المتحدثين، والمداخلين ولا بتفاصيل الحديث الذي قيل في تلك الجلسة، ولا النتائج، والتوصيات.
وحديثي لا يمد بسبب إلى شيء عن تلك المناسبة. وكل ما أقوله رؤية خاصة، لا تتعمد الرد، ولا التأييد، أو قل: مَوْجَةٌ تسعى، وتحفد إلى شاطئ السلامة.
[العنف] من حيث هو دون إضافة إلى دين، أو شعب، أو أسرة يعد ظاهرة عالمية مجتثة من فوق الأرض ما لها أصل، ولا نسب. وكل مغرض يلصقها ظلمًا وعدوانًا بمن يناوئ.
أما حين يُضاف [العنف] إلى دين، أو دولة، أو طائفة، أو أسرة فإنه يكون بالنسبة للمضاف إليه ظاهرة، أو واقعة.
وهناك تفاوت في الخطورة، والأهمية بين [الظواهر] و[الوقوعات]، قد لا يهتم به المتابعون. وهو تفاوت مهم لكل من كلَّف نفسه مؤونة التناول الموضوعي لكل ظاهرة، أو واقعة.
تكون [السرقات]، ويُبْتلى البعضُ بالقاذورات، والمخدرات، وسائر الجنح، والجرائم في بعض الأزمنة، والأمكنة. ثم تختفي، أو تقل، وقد تتسع لتكون ظواهر مستفحلة، بحيث تتطور [السرقات] إلى عمليات سطو منظم، يختل معها الأمن. وبحيث تتفشى القاذورات، والمخدرات، حتى لا يسلم منها بيت. وواجب المسؤولين عن الأمن دراسة الظاهرة، والتخطيط لمكافحتها، والعمل على محاصرتها. وقد يتطلب الأمر إعلان حالة الطوارئ، الذي يسمح بتحديد الحريات، واستخدام كافة وسائل التحريات، وجمع المعلومات عن طريق المخبرين، والسعي لتحليلها على يد الخبراء، والمختصين، والخروج بنتائج لمواجهتها.
أستطيع القول: إن [الفساد الإدراي] ظاهرة، و[حوادث المرور] ظاهرة، وتفشي [المخدرات] ظاهرة. ولكنني لا أستطيع أن أقول: إن [العنف الأسري] ظاهرة.
لكن دعونا نلتمس أسباب هذا العنف الطارئ الذي قد يصل إلى قتل الآباء، والأمهات، والإخوة، والأخوات. وهو ما لم نكن نعرفه من قبل. بل لم نكن نتوقعه في بلد مسلم، مسالم، دستوره، وأحكامه تنطلق من القرآن، والسنة. وتملأ رحابة المساجد، ويعيش أهله رغد العيش، ووافر الأمن، والرخاء، والاستقرار. إن على المسؤولين من علماء، ومفكرين، وإعلاميين، وخبراء، ورجال أمن أن يفكروا مليًا فيما نسمعه، ونراه من [عنف أسري] لمَّا يزل في إطار الوقوعات، ولما يصل بعد إلى حد الظواهر.
أحسب أن جهود المواجهة مشتتة، وأن كل جهة تعمل على شاكلتها. وأن الوقوعات تضبط، وتظل وثائقها حبيسة الجهة، لا يطلع عليها خبير، ولا ينظر فيها متخصص، ولا تتخذ حيالها توصيات.
كما أن المسموح به إعلاميًا قد لا يفيد المتلقي، بل يزعجه، ويثير فضوله، ويفتح أمامه أبواب الشائعات. ذلك أن مجرد الخبر عن الجريمة قد لا يَتْبعه تحليل، ولا دراسة، ولا توصيات. بل ربما ينزعج المواطن بالخبر، ثم لا يدري ماذا تم بعد ذلك.
[العنف الأسري] عَرَضٌ لأمراض، لما تزل غائبة عن المستهدفين. وحين تَقِفُ معلومات المستهدف على الأعراض، دون الأمراض، يظل رهين تكرر الأعراض.
حاجة المواطن تكمن في معرفة أسباب العنف، ليسعى في تفاديها، والعمل على حسمها.
[العنف الأسري] طارئ على مجتمعنا المسلم، وليس خليقة. ثم إنه ليس مرتبطًا بالشهوات، ولا بالغرائز. وحين لا يكون وليد شهوة، ولا غريزة يصبح من الممكن السيطرة عليه.
الخطوة الأولى تبدأ من [المدرسة]، و[المسجد]، و[القنوات]، و[المواقع]. وكل الجهات المسؤولة عن حوادث [العنف الأسري] مقصرة، وجهودها وقتية، ومقتصرة على متابعة الحدث بعد وقوعه. وهذا غير كاف.
المواجهة تتطلب التخطيط القائم على جمع المعلومات، وتصنيفها، ورسم الخطط لمواجهتها، والقضاء عليها.
قد يستحضر البعض الأسباب، ويرى أن قطع دابرها مؤذن بغياب [العنف الأسري]. وقد يستصعب البعض مواجهتها، ويستبعد الحد من تأثيرها.
أحسب أن هناك أسبابًا كثيرة، ومن الممكن مواجهتها، والتصدي لها بكافة الإمكانات.
والأسباب إذ تكو ن كثيرة، فإن من أهمها وأخطرها تفشي [المخدرات]، و[الأمراض النفسية]، و[الأفكار الضالة]، وما سواها دون ذلك.
فانشغال الآباء مثلًا بـ[الاستراحات] وأجهزة التواصل الاجتماعي، وإدمان الشباب على متابعة الأجهزة، والقنوت الفضائية، وانعدام تأثير [البيت] و[المدرسة] و[المسجد] وطغيان المواثرات الخارجية التي لا يمكن السيطرة عليها، كل ذلك قلب الموازين، وغير الأوضاع.
يضاف إلى ذلك تقصير المسؤولين عن ملء الفراغ عند الشباب، وإشباع الرغبات، وتوفير وسائل الترفيه المباح للحيلولة [دون الفراغ، والشباب والجِدَة].
و[العنف الأسري] بهذه الفضاعة مثير للانتباه بمجرد حصوله، وغرابته على مجتمع مسلم.
ما أوده تشكيل [هيئة علياء] على غرار الهيئات الأخرى، تنهض بدراسة [العنف الأسري]، والوقوف على الأسباب، وطرح الحلول، والمتابعة المستمرة، والمساعدة على محاصرة المشكلة، وتنوير الرأي العام، وحمله على المشاركة في المكافحة وامتثال الحلول. فالوضع لم يعد يطاق، والمملكة مستهدفة من دول، ومنظمات، وعصابات، ووسائل إعلام، ومواقع تعد بالآلاف.
ومن ظن أننا بمعزل عن الغزو، والتآمر، واللعب المصمية فقد فوت علينا فرصة الصمود، والتحدي، والتصدي {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.