ناصر الصِرامي
قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بعامَيْن بعث جاسوس ألماني، عمل في اليابان لحساب الاتحاد السوفييتي، يدعى «ريتشارد سيرج»، رسالة قصيرة، تضمنت معلومات عن بعض أوجه النشاط الاقتصادي الياباني وعلاقته بالاقتصاد الألماني، غيَّرت مسار الحرب، بل كان لها أثر حاسم في هزيمة ألمانيا.
في أوائل التسعينيات، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، كان عدد العاملين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يتجاوز الـ25 ألف عميل، قلَّت الحاجة لهم؛ فأصدر الرئيس الأمريكي وقتها بيل كلينتون تعليماته إلى الوكالة الاستخبارية الأشهر حول العالم؛ لكي تستخدم مهاراتها وموظفيها وعملاءها لخدمة الاتجاهات الاقتصادية!
وفي العام 2012 ألقت الشرطة اليابانية أيضًا القبض على عدد غير محدد من الأشخاص في شركتي «يوكوهاما» و»أيتشي»، يشتبه في أنهم سربوا أسرارًا صناعية إلى شركات صناعية هندية.
وسبق للقضاء الأمريكي اتهام ضباط في الجيش الصيني بالقرصنة المعلوماتية والتجسس الاقتصادي؛ إذ وُجّهت التهمة إلى خمسة ضباط في الجيش الصيني، وكان الاتهام هو أول ملاحقة قضائية أمريكية رسمية بحق أشخاص من الصين. ونتذكر كثرة اتهامات الأمريكيين للصينيين بالتجسس الصناعي والتكنولوجي في العقد الماضي.
تقرير نشرته مجلة واشنطن لشؤون الشرق الأوسط في 1996 أشار إلى القبض على مواطنين إسرائيليين؛ قاموا بسرقة التكنولوجيا الأمريكية التي تستخدم في صنع مواسير المدافع وطلاء الصواريخ.
ومن أشهر الجواسيس الإسرائيليين بالولايات المتحدة «جونثان بولارد»، الذي تعتبره إسرائيل بطلاً قوميًّا لها، وواجه حكمًا بالسجن مدى الحياة، صدر بحقه في 1987؛ لنقله أسرار تقنيات أقمار التجسس الأمريكية، وتحليل أنظمة الصواريخ السوفييتية إلى إسرائيل.
المخابرات الأمريكية تصف روسيا بأن قدراتها التجسسية هي الأكثر تطورًا وشراسة في العالم، وهناك مئات الجواسيس الروس، يعملون داخل الولايات المتحدة، وأنهم مشغولون بمحاولة سرقة الأسرار الاقتصادية والعسكرية والسياسية الأمريكية.
وكشفت المخابرات الأمريكية عن مواطن مزدوج الجنسية (يحمل الجنسيتَيْن الروسية والأمريكية)، اعترف بأنه قام بالتجسس لصالح موسكو، ونقل معلومات إلكترونية دقيقة إلى روسيا، فيشينكو، الذي يواجه أحكامًا بالسجن 50 عامًا، قام بين العامين 2002 و2012 بشحن إلكترونيات دقيقة أمريكية إلى روسيا، تبلغ قيمتها نحو 50 مليون دولار، تلك المعلومات التي نقلها إلى روسيا تُستخدم عسكريًّا في مشغلات التفجير وأنظمة الرادار والمراقبة وتكنولوجيا توجيه الصواريخ!
وسبق أن شكلت قضية التجسس الصناعي على الشركات الألمانية بواسطة وكالات حكومية صينية حيزًا كبيرًا من مباحثات المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل مع مسؤولين صينيين في بكين، وسبق أن أفصحت شركة «فولكسفاغن» الألمانية الشهيرة بأن الشركة الصينية الشريكة «فاو»، التي نشأت من شركة مختلطة بين فولكسفاغن والدولة الصينية، قامت منذ أشهر عدة بالتجسس بشكل منهجي ومنظم بهدف نسخ المحركات وعلب تغيير السرعة للمجموعة الألمانية..!
كما وُجِّهت أصابع الاتهام للصين بالتجسس على عملاق صناعة السيارات الفرنسية «رينو»، ومحاولة سرقة برنامجها المتعلق بإنتاج سيارة كهربائية، الذي تستثمر فيه فرنسا نحو أربعة مليارات يورو بالتعاون مع شركة نيسان.
ولا تخلو محادثات الدول الكبرى السبع والدول العشرين من بحث هذا الخطر والاستنزاف، أو الحرب بين الشركات، وربما الدول؛ للوصول إلى ما تعمل عليه مراكز الأبحاث والإنتاج المبكر. والهدف دائمًا الوصول إلى السوق أولاً، وللمستهلك (المشترى) دائمًا..!
دراسة دولية تكشف التزوير والاحتيال لدى الشركات.. ظاهرة تفاقمت بسبع نقاط بين 2009 و2014. جميع الوسائل باتت ممكنة لغزو أسواق المنافسين حتى لو لم تكن شريفة. اليوم الكل يتجسس على الكل للكسب أولاً!
حرب تشكل الشركات الكبرى العابرة للقارات رأسها، و»قد» تلعب أجهزة الاستخبارات العالمية دور الخادم المحلي لأصحاب رؤوس الأموال العالمية، وتحقيق التفوق الصناعي أولاً.. وجمع الأموال تلقائيًّا!