كوثر الأربش
«الأرض قبل العرض والطول. قبل بيارات البرتقال وبساتين الليمون، قبل زرقة البحر وغناء الصيادين ومواويل الفلاحين، قبل الزراعة والصناعة والفن والعلم والمعرفة واليمين واليسار، والماضي والحاضر والمستقبل ولكنها ليست قبل الحرية»
- الماغوط -
لستَ معزولاً عن هذا العالم، إنك تسمع وترى.. وتغلي وحدك
جائع في مضايا تآكل جسده حتى الموت، طفل في الموصل تدهسه إحدى دبابات ميليشيات الحشد، عمران الذي هزّ بصمته المخيف غفلة العالم، إيلان كردي والساحل الذي وهبهُ الغسل الأخير، جندي يعود محمولًا على نعشه من الحد الجنوبي قبل أن يزف لعروسه، العالم من حولك يقذف الحريق والموت والجوع.. وأنت لا تريد أن تصبح عكازًا قديمًا، أو مسمارًا صدئاً في مخزن جدك العجوز. أشعر بك، وأعرف تلك الرغبات الحارقة في أن تصنع شيئًا من أجل هذا العالم، لتعود الطفلة لدميتها، بدلاً من الموت على الرصيف. وتقول كما يقول الماغوط قبل أن يموت على كرسيه، منتظرًا وطنًا عربيًا متماسكًا: « لا أعرف سوى أننا نحن الثوار الأبرياء عندما نجد سلاحاً لا نجد أرضًا، وعندما نجد أرضًا لا نجد سلاحًا، وعندما لا نجد أرضًا ولا نجد سلاحاً ونريد أن نتصدى للعدو بصدورنا يأتي من يبيعها من وراء ظهورنا» مثل ما باع المالكي ومرتزقته أرض العراق لإيران بسعر حزمة كزبرة!. أما أنت، فلديكَ الأرض يا بُني، ومن حوله عصابات الحشد الشعبي وداعش في العراق شرقًا، وجرذان الحوثي التي تختبئ في جحورها جنوبًا، وشمالاً يضحك علينا العالم الاستبدادي بحجة قتال داعش، وهو يتفق لعقد صفقة أسلحة في سوريا، فيما الدماء في الشوارع لا تجف. ومن جنوب لبنان يذهب خونة بلدانهم وعباد الولي الفقيه لقتل السوريين حمايةً للقبور! ويزحف حمقى العالم للالتحاق بداعش وهدم القبور! يا لتلك القبور الذي يقتل من أجلها الأحياء! كل هذا الخراب مازال وراء الحدود، وأنت لديك الأرض الآمنة التي «تُنشن» عليها إيران منذ عشرات السنين. إنهم لا يفهمونك، تريد سلاحًا فقط، فذراعك فتيّ يمكنه تغيير المعادلة، وروحك مشتعلة بالمجد، مجد أن تصنع شيئًا لأجل أهلك وجيرانك وأصدقائك. حسنًا. لكنني أفهمك، ونحن متفقان أنك قويّ وتحلم بوطن حُر وآمن، ونهاية عادلة لأشرار العالم، أليس كذلك؟ إن فكرت في داعش، فستجعلك مسخًا، بلا روح ولا شعور، سوف تقتل أمك، أخاك، بريئاً ما يبحث عن موضع جبينه في المسجد. سوف تفقد البوصلة وتتجه للخلود، لكنه خلود مع الشياطين في جهنم. إن فكرت في حشد شعبي مسلّح، يلزمك أولاً أن تسلم إرادتك وعقلك للولي الفقيه كما يسلِّم السجين ساعته ومحفظته الثمينة قبل أن يدخل السجن، أن تمسك بالمقود وتحرق السيارة، أعني أن تصبح طائفيًا غبيًا، وأن تقتل أخ الوطن من أجل أخ الطائفة كما يحدث في العراق، حين يقتل العراقي عراقياً مله، كانا يوماً ما يشتريان الخبز من دكان واحد. إن كنت تطمح للمجد، فدونك الوطن يا بني، كن على أهبة الاستعداد إن دعاك للتجنيد الإلزامي، ليصبح «خياريًا»، فهناك سوف يعلمونك الوجهة الصحيحة، العدو الحقيقي، والطريقة المثلى لحمل السلاح.. الباب هناك يا بُني إن كان لديك مفتاحًا، إن كُنت حرًا.