د. عبدالواحد الحميد
من الحقائق التي يعرفها كل سياسي أن الإعلام يستطيع تنغيص حياته، وإفساد خططه وبرامجه، بل ربما القضاء على مستقبله! وقد يكون الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون أعلم الناس بهذه الحقيقة؛ فقد كره الإعلام، وبخاصة الصحافة، كما أن الصحافة بادلته الكراهية بكراهية أكبر، واستطاعت الصحافة في نهاية المطاف أن تطيح به رغم أن أخطاءه قد لا تكون بفداحة أخطاء بعض رؤساء آخرين، أو لا تختلف كثيرًا عنها، لكن الفرق هو أن الصحافة سلطت الأضواء على ما عُرف بفضيحة ووتر جيت حتى أزاحت نيكسون من كرسي الرئاسة وهو الرئيس الذي كان بالإمكان أن يكون - حسب تقدير الكثير من الخبراء - واحدًا من أهم رؤساء الولايات المتحدة!
الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب هو الآخر يكره الإعلام، خاصة صحيفة نيويورك تايمز ومحطة «سي إن إن» التلفزيونية وصحيفة واشنطن بوست، ويكاد لا يطيق سوى محطة فوكس اليمينية المحافظة؛ فهو يعتقد أن معظم وسائل الإعلام الكبرى تكيد له، وأنها حاولت تشويهه أثناء حملته الانتخابية؛ لكي يسقط، فكان فوزه بمنزلة معجزة.
أما الآن، وبعد فوزه الكاسح غير المتوقع، فإنه يدرك أن عليه أن يرمم علاقته مع الإعلام؛ ففوزه في الانتخابات، ووصوله إلى كرسي الرئاسة، لا يعنيان أن المعركة مع الإعلام انتهت؛ فقد تكون البداية الحقيقية لمتاعبه مع الإعلام، بدأت الآن، وما لم يسارع إلى تصحيح هذه العلاقة فقد يعاني المزيد من المتاعب خلال فترته الرئاسية!
من هنا جاءت المفاجأة الكبيرة عندما بادر ترامب قبل أيام فطرق أبواب صحيفة نيويورك تايمز، عدوته اللدودة التي ناصبته العداء أثناء حملته الانتخابية، وذهب بنفسه إلى هناك؛ كي يلتقي الطواقم التحريرية والإدارية للصحيفة، ويقول لهم مازحًا: «نعم، أنا مع الأسف أقرأ نيويورك تايمز، ولو لم أفعل لطال عمري عشرين عامًا»!
أعتقد أنها خطوة ذكية من ترامب الذي يعرف أن الإعلام سلاح فتاك، وأن السياسي الذي لا يتعامل جيدًا معه يخسر الكثير. وقد أصبح هذا السلاح أكثر فداحة في زمن الإعلام الجديد حتى قيل إن ما عُرف بـ»الربيع العربي» لم يكن ليحدث لولا الإعلام الجديد.
لقد أصبح الإعلام سلطة رابعة حقًّا، ليس فقط في البلدان التي تسودها أنظمة ديمقراطية، وتفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وإنما في كل مكان، وصار كل مسؤول يحسب حسابها، وهذه ظاهرة صحية حتى لو شابتها بعض السلبيات والتجاوزات.