عبدالحفيظ الشمري
تُنظر في المحاكم لدينا هذه الأيام بعض القضايا المتعلِّقة بتهم غسيل الأموال، وتمريرها؛ من خلال الكثير من الأعمال التجارية المشبوهة، والصفقات الوهمية، والأسعار المبالغ فيها لبعض السلع والمنقولات والأصول التي قد يفوق سعرها الأصلي بعشرات المرات، ليقدّم حالياً للمحاكم أكثر من 15شخصاً؛ متهمين جميعاً بقضايا غسيل الأموال، والاتجار الوهمي؛ بمبالغ تفوق 35 مليار ريال، وهذا ما أوردته تلك المحاكم في صيغة موجز إعلامي فائق الأهمية .
أما وقد أصبحت هذه القضايا واقعاً، وقام هؤلاء بأعمال ضارة بالمجتمع وببلادنا واقتصاده، فإنه من المهم والضروري أن نتفاعل مع هذه القضية بوصفها حالة خطرة، فما بعد وصولها إلى أروقة المحاكم، وانتظار الأحكام الشرعية فيها إلا تأكيد على وجودها، لذلك من المهم أن تتم التوعية بمخاطرها، ومحاربتها، وتقديم المتورطين فيها إلى العدالة.
والأمر الأهم أن نخرج في هذه قضية غسيل الأموال من كونها تخرصات، وتوقعات وإشاعات إلى حقيقة ماثلة، فقد ظلت هذه القضية على مدى سنوات أسيرة للمسكوت عنه، أو المغيب، رغم أنها تلاحظ في الإعمال، لكن هناك من ظل ينهر الوعي، ويحد من التفكير بها، ويصف هذه الظاهرة بأنها ليست حقيقية، وغير موجودة في الأصل..
أما وقد ضبطت هذه الممارسات غير الأخلاقية بشكل نظامي، وشرعي، وثبت خطرها على المجتمع، وتم التعاطي معها بشكل قانوني؛ فقد آن للجميع أن يتعرَّف على هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا من باب الحذر منها، وأن يسعى إلى محاربتها، بل ربما - على الأقل - يجد إجابات مقنعة حول بعض المشاهد العجيبة، على نحو مبلغ 60 مليون ريال قيمة جمل.. أي كان حجمه، أو لونه أو سلالاته.. حتى إن القطيع «الذود» منه قد لا يبلغ عُشْرَ ذلك السعر في الظروف العادية، فما بالك برأس واحدة منها.
وقس على ذلك أمثلة متنوِّعة كتيس أقرن من «أبناء ماعز» وصل سعره 10ملايين بالتمام والكمال، ومثبت بالمشاهدة والتصوير المسجل من خلال مزاد علني، وديك بلغ سعره نحو 600 ألف ريال، و»جوز حمام» مرقط بنصف مليون ريال!! وقد أتاك آنذلك من يقول، ويهوّن الأمر: (يا أخي لا تصدّق هذه إشاعات؟!) وما يثير في الأمر أنها حالات جنون مثبتة، تنم عن هوس في الشيء، وتمرير محكم لهذه المبالغ من خلاله؛ مما يؤكّد أنها حالات غسيل أموال فعلاً؛ لا يمكن تجاهلها، أو التهوين من خطرها.
والأمثلة كثيرة في مجال القروض المبالغ فيها، وأسعار الأراضي المرتفعة جداً، وقيم العقود، والصفقات الوهمية التي جعلت من بعض شبه المعدمين فجأة أثرياء، ويمتلكون المبالغ الطائلة، لتستيقظ ظاهرة البذخ، والمبالغة في المناسبات، والإسراف في الولائم، واستعراض ملاحة الكائنات «المزاين» بشكل فج وغير مبرر، مما عكس صور كثيرة لهدر هذا المال الذي جاء بشكل غامض ومفاجئ.