م. خالد إبراهيم الحجي
إن المقصود بعملية الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي على آراء المُشَرِّعين في الكونجرس الأمريكي لكسب الأصوات الكافية قبل صدور التشريع إلى حيز التنفيذ والتطبيق هم المواطنون الأمريكيون، وحسب «المؤتمر الوطني الأمريكي لتشريعات الدولة» الذي صرح بأن للمواطنيين الأمريكين الحق في أن يتحدثوا بحرية مطلقة للتعبير عن آرائهم، والتأثير بأصواتهم على آراء المُشرِّعين المنتخبين قبل تصويتهم على المواضيع والقضايا التي تهمهم وقبل إقرارها من الكونجرس الأمريكي. وعملية الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي على آراء المُشرِّعين في الكونجرس الأمريكي يمكن أن تكون بكل بساطة بواسطة هيئة تَجمُّع من المواطنين من الولايات المختلفة، ليقدموا عريضة التماس إلى الأعضاء الذين يمثلونهم في مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس الأمريكي، لحثهم وتشجيعهم على التصويت على مختلف المواضيع الاجتماعية والمسائل الاقتصادية والقضايا السياسية التي تهمهم. وعملية الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي على آراء المُشرِّعين في الكونجرس الأمريكي لها دور كبير جداً مؤثر وفعال في كسب الأصوات التي تُصْدِر القوانين التشريعية داخل الكونجرس، ليضعها المشرعون بعين الاعتبار عند التصويت عليها قبل إقرارها وإصدارها كتشريعات رسمية من الكونجرس، كالأمثلة التالية:
(أ): صياغة التشريعات اللازمة لتلبية متطلبات المواطنين الضرورية، مثل اعتماد تمويل البرامج الوطنية والهيئات والشركات المختلفة والقضايا الدولية المرتبطة بالمواطن الأمريكي.
(ب): التشجيع على الموافقة على ترشيحات باقي أعضاء الحكومة المنتخبة لتولي الحقائب الوزارية اللازمة للدولة.
(ج): مساندة القرارت والسياسات المتعلقة بالدول الأخرى، وأقواها عمليات الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي التي تدعم إسرائيل، مثل كسب الأصوات الكافية للموافقة على حجم صفقات الأسلحة وأنواعها والموافقة على زيادات مقدار المبالغ المالية لإسرائيل.. وقد تطورت عمليات الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي في أمريكا وتحولت إلى خدمات تجارية قانونية، وأصبح القيام بها مهنةً مرموقةً يتم تنفيذها من قبل محترفين مسجلين رسمياً في الحكومة الأمريكية، يعملون نيابة عن المستفيدين منها مقابل أتعاب مالية مجزية نظير خدماتهم وسعيهم لإصدار القرارات أو منعها أو تغيير صيغتها قبل صدورها من الكونجرس.. وفي الحقيقة إن عمليات الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي على آراء المُشرِّعين في الكونجرس أصبحت حرفة سياسية وواقعاً سياسياً ملموساً؛ والدليل على ذلك أن كثيراً من المُشَرِّعين في الكونجرس بعد تقاعدهم يمارسونها لخبرتهم السابقة، ولهم الحق في الحصول على الأتعاب المجزية بالإضافة إلى معاشات التقاعد النظامية بعد تقاعدهم؛ والإحصاءات تؤكد أن القيام بعمليات الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي قد تحولت إلى صناعة احترافية بلغ مقدارها 3 مليارات دولار في السنة الواحدة. ومن الأمثلة على نجاح عمليات الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي على آراء المشرعين في الكونجرس صياغة القوانين التي خفضت الضرائب على الشركات فأدت إلى عوائد مالية لصالحها في نهاية العام، كما أفادت الدراسة التي أجريت في عام 2010 م على 32 شركة أنها أنفقت 476 مليون دولار على عمليات الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي على آراء المُشرِّعين في الكونجرس. وقد بلغ مقدار العائدات من التخفيضات الضريبية المترتبة على القرارت التشريعية بعد التأثير السياسي عليها 11 بليون دولار أمريكي.. وقد بلغت عمليات الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي على آراء المشرعين في الكونجرس من الأهمية بمكان؛ حيث استفاد منها الرئيس أوباما نفسه عندما تعاقد مكتب الرئاسة الأمريكية مع أحد المرخصين لهم بمبلغ نصف مليون دولار للقيام بعملية الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي ونجح في حصول مشروع أوباما المسمى «مشروع أوباما للعناية الطبية لأصحاب الدخل المحدود» على الأصوات الكافية في الكونجرس لتشريعه وإقراره وتطبيقه على أرض الواقع.. ومما سبق يتضح طريقة عمل الديمقراطية الأمريكية فيما يتعلق بتشريع القوانينوالدور المهم الذي يلعبه عمليات الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي على آراء المشرعين في الكونجرس الأمريكي؛ ولهذا فإن المملكة العربية السعودية تستطيع الاستفادة من عمليات الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي لكسب العدد الكافي من أصوات المشرعين في الكونجرس، لمحاربة قانون جاستا الذي يسمح للأفراد الأمريكيين بمقاضاة الحكومة السعودية على اتهامها بتفجيرات 9/11 لمركز التجارة العالمي - إن سلمنا بصحة التحقيقات الأمريكية والنتائج التي توصلت إليها - وتمريره إلى الكونجرس بعدما أصبح المناخ السياسي مهيئاً لإلغائه عند المُشرِّعين، خاصة بعد أن تناقلت وسائل الإعلام تصريحات كثيرٍ من المُشرِّعين في الكونجرس وعددهم 435 نائباً في مجلس النواب و100 سيناتور في مجلس الشيوخ، أنهم لم يدركوا وقتها تبعات هذا القانون التي ستنال من الجنود الأمريكان الذين خاضوا الحروب السابقة على أراضي الدول الأخرى وذهب ضحيتها ملايين الأبرياء من المدنيين في تلك الدول. وبالتالي على المملكة أن تسعى بجدية لإلغاء قانون جاستا بعمليات الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي لإعادة التصويت عليه من قبل المُشرِّعين في الكونجرس الأمريكي؛ وذلك سيتطلب من المملكة تعيين أحد المرخصين لهم ممن له القدرة على الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي والخبرة العريقة والنفوذ الشعبي المؤثر. وخير من يقوم بهذه المهمة هو الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما التي أوشكت مدة رئاسته على الانتهاء؛ وهو من رفض قانون جاستا الذي أقره الكونجرس الأمريكي عند تمريره المرة الأولى باستخدام حق النقض الرئاسي (الفيتو) وهو على كرسي الرئاسة، ولكن قام المُشرِّعون بإعادة تمرير القانون مرةً ثانيةً في الكونجرس بعد حصد الأصوات الكافية للتغلب على حق النقض الرئاسي (الفيتو) الذي نتج عنه إقرار القانون مرة ثانية. والتوقيت الآن أصبح مناسباً لتعاقد المملكة مع الرئيس أوباما مباشرة بعد انتهاء فترة رئاسته قبل أن يرتبط بعمل آخر للقيام بمهمة الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي على آراء المُشرِّعين في الكونجرس الأمريكي بهدف حصد الأصوات الكافية لتحقيق التالي:
(1): عرض قانون جاستا على الكونجرس لإعادة التصويت عليه مرة أخرى.
(2): السعي لكسب عدد الأصوات الكافية لإلغاء قانون جاستا من قبل المُشرِّعين في الكونجرس، وذلك لمصلحة كل من المملكة وأمريكا معاً؛ لأن قانون جاستا يعد خرقاً للحصانة الدولية، كما صرح بذلك وزير الخارجية السعودي.
الخلاصة
إنَّ الحصول على العدد الكافي من الأصوات في الكونجرس الأمريكي يتطلب عملية الإقناع الدبلوماسي والتأثير السياسي على آراء المُشرِّعين لإلغاء قانون جاستا.