د.عبد الرحمن الحبيب
الناتو دعا السعودية، في الأسبوع الماضي، للانضمام لمبادرة اسطنبول. الدعوة تكررت منذ انضمام: الكويت، قطر، الإمارات، البحرين للمبادرة. هذه الدعوات المكررة بسبب الدور الحيوي الكبير الذي تقوم به السعودية بالمنطقة، وقيادتها لتحالفات شكلت مركز القوة العربية.
إذا كانت السعودية لم تنضم للمبادرة فإنها لم ترفضها.. أي يمكن القول إنها في طور التقييم، فقد أرسلت قبل عامين وفداً للمشاركة بمؤتمر الدوحة للناتو حول دور المبادرة (معهد الشرق الأوسط). كما أن مساعد وزير الخارجية القطري، ذكر أن مجلس التعاون الخليجي اقترح توسيع شراكته مع حلف الناتو لتشمل السعودية وعُمان (العربية نت). فما أساس المبادرة ومنطلقاتها، وكيف كان أداؤها، وما المقترحات لتطويرها، وهل تنضم السعودية لها؟
أُعلنت «مبادرة اسطنبول للتعاون» في اجتماع قمة الناتو بتركيا يونيو 2004، بغرض التعاون الأمني مع دول مجلس التعاون الخليجي. هذه المبادرة طرحت قائمة الأنشطة الثنائية الاختيارية لكل بلد خليجي، وأهمها: مكافحة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، التأهب للكوارث والتخطيط لحالات الطوارئ المدنية، تقديم الاستشارات والتدريب بالمجالات الدفاعية، تعزيز العمل العسكري المشترك، المشاركة بمناورات الناتو.
المنطلق الأساسي للمبادرة حسبما ذكر أمين عام الناتو أنديرس راسموسن عام 2011: «أمننا متداخل، لذا جاء مجلس الناتو بأكمله إلى قطر»، فيما أضاف نائبه: «لا يمكن لجهة واحدة اليوم أن تواجه بمفردها هذه التحديات، ولأن التحديات متعددة فالرد عليها يجب أن يكون متعدداً». لكنه اعترف أيضاً: « لنكن صريحين بعدما كانت البداية مشجعة، يبدو الأمر غير سهل بالسنوات الأخيرة».
إنجازات «مبادرة اسطنبول» اقتصرت على تعاون بين الجانبين في برامج التدريب والتبادل الاستخباراتي لمواجهة الإرهاب ومخاطر الفضاء الإلكتروني.. كما أن الاضطرابات بالدول المجاورة لدول مجلس التعاون والتهديدات لأمنها خاصة التدخلات الإيرانية وميليشياتها الإقليمية، يدعو دول المجلس للاستفادة من خبرات الناتو في بناء الأجهزة الأمنية بالمناطق التي شهدت صراعات في أوربا، والاستفادة من طريقة تنسيق قوات حلفه، حيث تتوزع لعدة أقسام: قوات الرد السريع، قوات الدفاع الأساسية، قوات التعزيز، قوات المهام المشتركة.. (أشرف كشك، موقع دراسات).
هذه الإنجازات المتواضعة للمبادرة خلال 12 سنة، قد تفسر أن الناس في منطقة الخليج لم يسمعوا بها، وحتى غالبية مثقفيهم. بل إن مسؤولي الناتو أنفسهم غير راضين عن وتيرة عمل المبادرة، فقد ذكر راسموسن بكلمته الأخيرة أن «مبادرة إسطنبول بدأت واعدة عام 2004 ولكن السنوات الأخيرة أثبتت صعوبة أكبر في تكثيف تعاوننا العملي، ونحن بصراحة لم نقترب من تحقيق إمكانات شراكتنا».
أحد أكبر الإشكالات لمبادرة اسطنبول هو منهجها التعاوني بالاتفاقات الثنائية المنفردة بين حلف الناتو وكل دولة على حدة من الدول الأربع بمجلس التعاون الخليجي؛ وهذا أصلاً موجود قبل المبادرة بلا حاجة لها، ولعل ذلك من بين حسابات دعت السعودية لعدم الانضمام للمبادرة. حتى الجوانب الإيجابية المذكورة أعلاه للمبادرة كانت قائمة قبلها، فما قيمتها؟ لحل هذه الإشكالية ينبغي تعديل منهج التعاون ليكون بين الناتو والدول الخليجية ككل ليصبح للمبادرة معنى العمل التحالفي الجماعي.
هذا النهج للمبادرة يثير مخاوف لدى كثيرين بالخليج من عدم وضوح ما يريده الناتو، هل هو تشكيل حلف جديد لمكافحة الإرهاب، أم توسيع التحالف الدولي بقيادة أمريكا، أم تحول الناتو إلى «شرطي المنطقة» وقوة عسكرية تكبل المنطقة باتفاقات أمنية وقواعد عسكرية تستنزف مواردها؟ في إحدى ندوات مؤتمر الدوحة ذكر د. روبرتس أنه لمس الانطباعات السلبية لدى الخليجيين عن الناتو وأنهم ما زالوا يصنفونه كجزء من الحرب الباردة، فضلاً عن أدائه المحبط بأفغانستان.. مؤيداً اقتراح البعض بتغيير الصورة النمطية للناتو. لتجاوز هذه المخاوف لا بد للمبادرة أن تضع برنامجاً تنفيذياً يحدد الأولويات وآليات التنفيذ بوضوح وفق جدول زمني محدد.
عموماً، التدخل العسكري الغربي بالشرق الأوسط تقلص خلال السنوات القليلة الماضية، فيما صارت أمريكا تفضل العمل تحت مظلة دولية واسعة مثل التحالف الدولي ضد داعش. ذلك يرجع إلى أن الاهتمام الأمريكي بهذه المنطقة انخفض بسبب تحول التركيز نحو المحيط الهادئ، والرغبة الأمريكية بالحد من تدخلاتها العسكرية بالخارج.
أخيراً، هل تنضم السعودية لمبادرة اسطنبول؟ هذا يرجع لتقديرات القيادة السعودية، فيرى محللون أن السعودية لا تفضل الانضمام لإيمانها بقوتها في مواجهة المخاطر دون الاضطرار إلى الاستعانة بالناتو، في حين يرى آخرون بأنها ترغب أن يكون الاتفاق باسم مجلس التعاون الخليجي وليس لكل دولة على حدة، كي يؤدي لتوحيد دول المجلس مجتمعة مع الناتو ضد أي مخاطر تتعرض لها أي دولة خليجية (تقرير الخليج أونلاين)..
الخلاصة، هناك فوارق طبيعية (سياسية، واجتماعية، وجغرافية) بين دول الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي لكن هناك توافق حول كثير من القضايا الاستراتيجية الدولية تقود لبناء مصالح مشتركة تؤسس لشراكة أمنية تبادلية إذا روعي تجاوز السلبيات التي تعترى مبادرة اسطنبول وفي مقدمتها سلبية التعاون المنفرد بين الناتو مع كل دولة خليجية على حدة، فلا معنى للتحالف إذا كان الناتو يستفرد الدولة في تعاونه مع الدول..