د. محمد عبدالله الخازم
يبدو من خلال تصريحات مسؤولي وزارة التعليم أن هناك نية نحو التوسع في التخصيص وتأسيس المدارس المستقلة، وربما استخدام نظام القسائم لدفع الرسوم للطلاب. وهناك حديث دائم عن تجارب مختلف الدول بغية التعرُّف على أفضلها، والاستفادة منها؛ إذ لا يوجد نموذج واحد يمكن تقليده بالكامل. دولة السويد تعتبر من الدول التي خاضت تجربة تحوُّل كبرى في التعليم مع بداية التسعينيات، وبدأت نتائجها تتضح للعيان. أهم مكونات ذلك التحول كانت ما يأتي:
أولاً: الانتقال من المركزية إلى اللامركزية؛ فبعد أن كانت تصنف كأكثر الدول الصناعية مركزية في نظامها التعليمي تحولت إلى أكثر الدول لا مركزية، ومنحت المقاطعات صلاحيات كبرى حتى أصبحت شبه مستقلة ماليًّا وتنظيميًّا عن الإدارة المركزية، مع الاحتفاظ بالركائز الأساسية من ناحية مراقبة الجودة الوطنية والمناهج الوطنية، وغير ذلك.
ثانيًا: تبني ما يُعرف بالمدارس المستقلة، وهي أشبه بعملية الخصخصة؛ إذ أسست بعضها تحت تصنيف مؤسسات غير ربحية، وأخرى ربحية أو تجارية. وقد زاد التحاق الطلاب بالمدارس المستقلة من أقل من 2 % عام 1992م إلى 14.1 % في المراحل الأولية، و25.1 % في المرحلة الثانوية عام 2014م، مع ملاحظة أن الزيادة كانت أكبر في المؤسسات أو المدارس الربحية. وكان ذلك يتم عن طريق دعم الحكومة بما يعرف بالقسائم التعليمية التي يتم فيها مساهمة الحكومة في دفع الرسوم الدراسية للطلاب في المدارس المستقلة أو الأهلية.
هذه التحولات يعتقد أنها أسهمت بشكل كبير في تحسُّن نتائج طلاب المدارس السويدية في الاختبارات والمعايير الدولية. مع ملاحظة أنها لم تكن عشوائية، بل تمت وفق ضوابط تنظيمية صارمة، من أهمها ما يأتي:
- الدعم والقسائم يمنحان مائة في المائة في جميع المناطق بشكل عادل، وليس وفق سياسة تصنيفية اجتماعية كما تفعل بعض الدول.
- ضبط المناهج الوطنية، بحيث يلتزم الجميع بمنهج وفلسفة تعليمية وطنية موحدة، مع مرونة إضافية تمنح للمدارس للتميز في إضافة نشاطات إضافية أو استخدام طرق تعليمية متطورة..
- الحرص على أن لا يكون هناك تمييز في قبول الطلاب، بحيث لا تصبح مدرسة مخصصة لفئة ما دون الأخرى، وتطبيق معايير مناسبة في هذا الشأن.
- تطبيق معايير الجودة والتقييم دون استثناء بما في ذلك الاختبارات الشاملة الوطنية التي تطبق على الصفوف 3 و6 و9 وغيرها مما يطبق على المراحل الأعلى.
تبدو التجربة السويدية ناجحة بعد عقد ونصف العقد من الزمان، ومن خلال نتائج طلاب السويد في الاختبارات الدولية، وبعد أن تجاوزت الشكوك فيها، واستوعبها المجتمع، وتقبلها بشكل جيد. هذه التجربة تعتبر عملية تحول وطنية كبرى في بنية التعليم في السويد، ولعلنا نضيفها للتجارب التي يتم دراستها ومحاولة الاستفادة منها، سواء في موضوع التحول نحو اللامركزية أو القسائم التعليمية، أو غيرها من خطوات التحول ومعاييرها المختلفة.