د.عبدالله مناع
يبدو أن (الجدل) واختلاف الآراء.. حول الصورة النهائية لـ(مكونات) معرض الكتاب الدولي في جدة، التي تعبر عن هذه المدينة الساحلية العريقة.. ببعدها الديني كـ(بوابة للحرمين الشريفين) كما سماها ثالث الخلفاء الراشدين (عثمان بن عفان) رضي الله عنه - عام 26هـ - 646م -، وبعدها السياسي.. كأول ميناء عربي إسلامي على ساحل البحر الأحمر خاض تجربة الدفاع عن الموانئ العربية والإسلامية أيام المماليك.. في كل من السويس ودمياط والإسكندرية ضد الغزو البرتغالي (المحتمل) لها، الذي تم بالهجوم البرتغالي على جدة وصده في عام 932هـ- 1549م، وبعدها الحضاري العالمي.. عندما استقبلت في مطلع القرن التاسع عشر (1216هـ - 1802م) أول قناصل الغرب وموفديه السياسيين إلى الجزيرة العربية.. من هولندا وبريطانيا فـ(إيطاليا) وفرنسا.. سيظل قائماً - ربما مع كل دورة من دوراته، التي تم تثبيت تاريخها سنوياً- عبر روزناما اتحاد الناشرين العرب - في ديسمبر من كل عام، ففي الدورة الأولى.. كان الجدل والاختلاف واسعاً ومبرراً، فـ(القرار).. بإقامة معرض دولي ثان للكتاب في (جدة) بعد (الرياض).. اتُخذ في شهر مارس من عام 2015م.. فكان السؤال الخلافي الأول: هل يمكن التجهيز والاستعداد.. لإقامة معرض للكتاب خلال الأشهر القليلة المتبقية من ذلك العام؟ وأين..؟
فلم يكن في جدة أرض قادرة على استيعاب كتب لأربعمائة وأربعين ناشراً محلياً وعربياً ودولياً.. فضلاً عن الفعاليات الثقافية من المحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية والقصصية، أو الفلكلورية الفنية المصاحبة.. التي كان يتطلع إلى وجودها بين أمسيات المعرض ولياليه مثقفو جدة والمملكة في عمومهم.. اتفاقاً مع طبيعة المدن الساحلية، وطبيعة جدة.. كـ(مدينة للفن) تاريخياً وحديثاً بوجود عشرات الفنانين فيها وعشرات الفرق الفلكلورية الشعبية بها.. إلى جانب أنها كانت الحاضنة لأول جمعياتها الفنية، التي أسسها الأميران والشاعران الغنائيان: بدر بن عبدالمحسن ومحمد العبدالله الفيصل، والفنانان: طلال مداح وسراج عمر، وهو ما حسم في النهاية.. بـ(اختيار) أرض الفعاليات في (أبحر الجنوبية).. لتكون هي مقر المعرض الأول والثاني وربما الثالث من خلال خيمة ضخمة.. تزيد مساحتها على عشرين ألف متر مربع، تقيمها شركة (الحارثي).. صاحبة الخبرة في إقامة معارض الكتاب السابقة في (جدة)، وتتولى إدارتها واستثمارها مع الناشرين.. بعد أن تأكد آنذاك أن وزارة الثقافة والإعلام ستكتفي بـ(مراقبة الكتب) عن طريق الإعلام الداخلي لفرع الوزارة في جدة، وبتشكيل اللجنة الثقافية برئاسة الدكتور سعود الكاتب -من الخارجية- لصياغة فعاليات المعرض وبرنامجه من المحاضرات والندوات والأمسيات ولا شيء غير ذلك.. إلا أن الدكتور سعود أبلى أحسن البلاء في رئاسته للجنة الثقافية.. بعد أن أصبح هو نفسه عضواً في اللجنة العليا التي شكلها أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل برئاسة (المحافظ) الأمير مشعل بن ماجد وعضوية كل مدراء فروع الوزارات في جدة إلى جانب الغرفة التجارية.. لإنفاذ قرار المقام السامي بإقامة معرض دولي ثان للكتاب في جدة، والتي لولاها لما قام المعرض الأول، الذي غابت عنه تلك الأمسيات الفلكلورية الشعبية من الصهبة والمجسات والينبعاوي والمجارير.. تحت طائلة الجدل واختلاف الآراء بين من يحلل ومن يحرم هذه الأمسيات الفلكلورية الشعبية بحجة الإسلام، الذي لا نراه يحرم هذا الفلكلور الشعبي في الهند ومصر وتركيا وباكستان.. وغيرها من دول العالم الإسلامي.
على أي حال قام المعرض الدولي الأول للكتاب في جدة.. بما يشبه المعجزة في إعداده وتجهيزه خلال عشرة أسابيع، ليتم افتتاحه في الحادي عشر من ديسمبر من العام الماضي.. حيث حقق من النتائج ما لم يكن في الحسبان بحضوره الذي تجاوز متوسطه اليومي السبعين ألف زائر، وبمبيعاته التي تجاوزت السبعين مليوناً من الريالات كما قال لي أحد كبار الناشرين العرب الذين شاركوا في المعرض.. ليبدأ الجدل واختلاف الآراء حول مكونات المعرض الثاني وندواته وأمسياته والذي سيفتح أبوابه لاستقبال زواره في الخامس عشر من شهر ديسمبر المقبل ولمدة عشرة أيام.. في ذات الخيمة وذات الموقع..! وقد تردد عن من زاروا الخيمة والموقع.. بأن الملاحظات السلبية التي رُصدت في الدورة الأولى.. قد تم الأخذ بها لتلافيها في هذه الدورة الجديدة من دورات المعرض، وهو ما نرجوه ونتمناه.
لكن الخلاف الأول الذي ظهر على السطح، وتناولته وسائل الإعلام الصحفية.. كان عن (دولية) المعرض؟ وهل هو (دولي) أم إقليمي محلي، وكان المحرك لهذا الخلاف.. هو اتحاد الناشرين العرب.. الذي رفضت هيئته استلام تأشيرات دخول تجارية لحضوره، لأن دولية المعرض.. إنما تعني إصدار وزارة الثقافة المعنية لتلك التأشيرات، وإرسالها للناشرين الراغبين بالمشاركة في المعرض، وقد تم استبدال تلك التأشيرات التجارية.. بتأشيرات حكومية.. وهو ما أنهى الجدل حولها، إلا أن إشكالية أخرى ظهرت حول مكونات فعاليات المعرض من الندوات والأمسيات والمحاضرات.. وقد زُج فيها باسم (اتحاد الناشرين العرب) وتدخله في صياغات تلك الفعاليات بغير حق، وكان جميلاً من الدكتور محمد صالح المعالج (رئيس لجنة المعارض الدولية والمحلية باتحاد الناشرين العرب) أن عاجل بنفي ذلك الاتهام بشكل قاطع.. مضيفاً إلى أن (اتحاد الناشرين) لا يتدخل (في صياغة البرامج وتوجهاتها أو في فرض أسماء واستبعاد أخرى)، لكن أعضاء اللجنة الثقافية.. الذين سمتهم (الوزارة) وكان معظمهم من رؤساء الأقسام الثقافية بالصحف، كانوا موضع خلاف واختلاف.. فقد غاب عن اللجنة أعضاء الأندية الأدبية الثلاثة -جدة ومكة والطائف-، كما غاب عنها دعوة أي من أساتذة آداب جامعة الملك عبدالعزيز، وأي من المثقفين من خارج هؤلاء وأولئك، كما ظهر خلاف ثالث أو رابع حول إقرار ندوة عن (السينما) ضمن فعاليات البرنامج الثقافي من عدمه.. لتنتهي اللجنة الثقافية -بعد جدل طويل عقيم- إلى استبعادها، واستبدالها بندوة عن (اليوتيوب وصناعة البرامج الدرامية)، وهي ندوة مختلفة كل الاختلاف عن ندوة عن (السينما السعودية)، التي أقيم لها أكثر من مهرجان في جدة وخارجها.. بل ونالت بعض أفلامها القصيرة والمتوسطة أكثر من جائزة.. ومع ذلك نظل نحن في نكراننا للحقائق، ولما يعيشه كل البشر في العالم على اتساعه!
لكن هذا.. لا يجب أن ينسينا ما اقترحته اللجنة الثقافية من تكريم هذا المعرض لثلاثة من رموزنا الصحفية والأدبية والثقافية، هم الأساتذة: محمد علي حافظ أول رئيس تحرير مؤهل.. لرئاسة تحرير جريدة المدينة اليومية بعد انتقالها إلى جدة.. حيث جعل منها صحيفة كل الناس، والأستاذ محمد علوان.. كاتب القصة القصيرة المبدع، الذي فتح الباب من بعده لعشرات المبدعين.. حتى أصبحت القصة القصيرة جزءاً أساسياً من مكوناتنا الثقافية والأدبية، والأكاديمية الرائدة إذاعياً وصحفياً: الدكتورة فاتنة أمين شاكر.. التي قفز بها قلمها ومواهبها لتكون أول رئيسة تحرير.. لأشهر مجلاتنا النسائية وأوسعها انتشاراً في زمانها: مجلة (سيدتي).
إن المعرض.. يفخر ويعتز بتكريمهم، وتلك هي أحد أبرز صفحات معرضنا القادم دون شك.
* * *
إن غياب الفلكلور (الشعبي) و(السينما) عن (المعرضين).. واستمرار الجدل والاختلاف حولهما.. أو حول غيرهما لا يجب أن يحبطنا، ويدفعنا إلى التشاؤم، فما لا يحدث اليوم.. سيحدث غداً ولو كره الكارهون!!