حمّاد السالمي
* إن المتابع لما يجري على الأراضي العربية التي تعاني من آثار ونتائج ثورات الجحيم العربي؛ ليصاب بالحزن والأسف على ما يعانيه الإنسان العربي من مسلمين وغير مسلمين. وإذا تعلق الأمر بما يلحق الناس الأبرياء من قتل وتشريد وظلم ظاهر شاهر في الكثير من المدن العراقية والسورية؛ وعلى وجه خاص في مدينتي (الموصل وحلب)؛ فإن الأمر يتجاوز الحزن إلى ما هو أكبر، على حالة التشرذم هذه التي أغرت أرباب الفتن من متطرفين وحزبيين وإرهابيين من كل مكان؛ لكي يتفقوا على التدمير والتخريب، ولعق دماء البشر، دون خوف من خالق، ولا خشية من مخلوق.
* عندما دخل (الدواعش) إلى مدينة الموصل، فاحتلوها، وساموا أهلها شتى أنواع العذاب، فاغتصبوا نساءها، وقتلوا رجالها، وجنّدوا شبانها دروعًا بشرية للتفجير عبر السيارات، كان أنصار (الدواعش) يرفعون أكفهم إلى الله داعين في كل خطبة جمعة؛ أن ينصر المجاهدين في سبيله، فيسدد رميهم، ويمكنهم من أعدائهم، ويجعل من نسائهم سبايا للمجاهدين..!
* لم يذكر أحد آنذاك أهل الموصل وسكانها، ولا بكى على قتلاها وجوعاها ونسائها المغتصبات. الإرهابيون القتلة هم (الجهاديون) الذين يستحقون الذكر والدعاء في منابر القوم، وفي محابرهم لا غير. لا صوت يعلو على صوت الجهاد المزعوم.
* حلب هي الأخرى منذ أن حرقتها براميل الأسد، فقتلت أهلها وجوعت أطفالها وشردت الآمنين من سكانها. حلب المدينة السورية التاريخية هذه؛ ما كانت تعني عند الخطاب الديني المخاتل؛ إلا أنها حصة متوجبة للجماعات والجبهات الإرهابية الكثيرة، التي تشكَّلت في سورية بعد الثورة تحت رايات الإرهاب السود، وهي تمثل القاعدة، وفي طليعتها (جبهة النصرة)، التي أرادت أن تحسّن من صورتها الإرهابية، فسمت نفسها (جبهة فتح الشام - جفش) حتى تضمن المزيد من تبرعات المؤيدين والمغفلين؛ لدعم إرهابها ضد الشعب السوري. ظلت حلب تستحلب الدعاء بالنصرة للمجاهدين من (جفش) طبعًا. فلا سكان حلب، ولا مآسي حلب، هي في صلب الخطاب الديني المخاتل؛ الذي ينطلق من منطلقات أممية، لتجديد (الخرافة الإسلامية)، بعد تدمير الدولة العربية القطرية في كل مكان.
* ما الذي حدث حتى راح القوم يضجون، ويصرخون، ويصخبون، ويسفكون الدموع على الموصل وحلب، وهما اللتان كانتا قبل اليوم لا تستحقان دمعة واحدة من خطيب، ولا صرخة واحدة من نجيب..؟!!
* الأمر لا يحتاج إلى جهد كبير لمعرفة الأسباب والدوافع. إن الذين يظنون أن المجتمع لا يفقه؛ هم الذين لا يفقهون. المجتمعات أصبحت واعية، وتعرف ما وراء الجمل والكلمات والحروف التي تنطلق من المنابر الجُمعية. إذا وُجد هناك من أتباع لهذا الخطيب أو ذاك فهم قلة، وإذا وجد من لا يعي ما يُقال فهم قلة كذلك، وغالب الناس يعرفون ويدركون أن هذه الدموع المسفوكة على الموصل وحلب، هي دموع هلع وخوف على قرب نهاية (داعش وجفش) الإرهابيتين، وسواء اختلفنا أو اتفقنا على طريقة تصفية الجماعات الإرهابية، والقِصاص من عناصرها القتلة، ومن ثم تطهير الأراضي العربية في سورية والعراق، وجاء ذلك بجيوش عربية قُطرية، أو قوات للتحالف العربي والدولي، إلا أن نهاية الإرهاب والإرهابيين قربت، وعلى الموالين والمؤيدين والداعمين والمحرضين على الإرهاب؛ وبخاصة تحت الرايات السود (لداعش وجفش)؛ أن يكفكفوا دموعهم، وأن يوفروا أموالهم ودعواتهم المبكية، فالله عز وجل، ينصر أهل الحق بالحق ولو كانوا كفرة، ويخذل أهل الباطل بالباطل ولو كانوا على دينه، و(الدواعش والجوافش ومن تدعّش وتدفّش) معهم، هم كل الباطل وكل الشر الذي ظهر علينا في هذا العصر، فأكل الأخضر واليابس، وكفّر وفجّر ودمّر، وخرب وسفك دماء الناس، وانتهك أعراضهم، وألّب علينا أمم الأرض كافة؛ بجريرة الإرهاب ودعم الإرهاب.
* إن الساحة العراقية، وكذا السورية؛ تعج بالشيء وضده عقديًا وطائفيًا ومناطقيًا، حتى اختلط الحابل بالنابل، فظهرت العداوات، وبرزت الثارات، واستحكم أمر التصفيات بين المسلمين سنة وشيعة، وهذا لا يرضي أحدًا، ولا حتى العقلاء من إخوتنا في العراق وسورية، أما إذا تعلق الأمر باستئصال شأفة الإرهاب المتمثل في (داعش وجفش)؛ فهذا هو الجهاد الذي يجب أن يجمع السني بالشيعي، وبكافة أطياف المجتمع الدينية والمذهبية والمناطقية. إن الخلافات المذهبية؛ سواء في العراق أو في سورية؛ يجب أن لا تكون ذريعة تحول دون الحرب على الإرهاب في الموصل وحلب، ولا حجة للمواربة والمخاتلة من (المتدعشين والمجفشين)؛ الذين تحرّقت مدامعهم، وبُحت حناجرهم (اليوم وليس أمس)، ألمًا وحزنًا على (أهل الموصل وحلب)..!! وقصدهم بطبيعة الحال: (داعش وجفش) الإرهابيتين.
* يتملكني العجب حين أستمع لهكذا خطاب مضلل؛ وأنا أتصور سكان الموصل وحلب ومن يمسك بأمرهما هم فقط سكانهما، وليسوا (داعش وجفش)، ولهذا من واجبنا البكاء لهم وعليهم، والصخب من أجلهم، جراء الحملات العسكرية الزاحفة نحوهم..! هذا مع الأسف؛ هو الفهم السقيم الذي يتبناه خطاب القوم، فهل نحن أغبياء إلى هذه الدرجة..؟!
* وأتعجب أكثر؛ أنه لا أحد من الخطباء؛ يذكر (داعش وجفش) بسوء. لا أحد ينتقد الإرهاب الواقع على أهل الموصل وحلب، ويذكر الجماعات الإرهابية بالاسم، ويدعو عليها في خطابه وخطبته، بدل الدعوة لها تحت مسمى الجهاد والجهاديين..؟!
* متى يتوقف هذا الاستخفاف وهذا العبث بعقولنا..؟! ألسنا عقلاء راشدين؛ بعد القرن العشرين، ونعرف الصادقين والكاذبين..؟!