سيخلّد التاريخ الرياضي السعودي اجتماع مجلس الوزراء الموقر الذي انعقد يوم الاثنين الماضي 21 صفر 1438هـ الموافق 21 نوفمبر 2016م، برئاسة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه -؛ لكونه الاجتماع الذي نقل الرياضة بشكل رسمي من إطار الهواية إلى عالم الصناعة الرحب، وهو قرار طال انتظاره ولم يكن ليتم لولا توفيق الله أولاً ثم إيمان القيادة الرشيدة بأهمية الرياضة، وخصوصاً كرة القدم في مجتمعنا السعودي تشهد بذلك الشعبية الجارفة لهذه اللعبة، فشكراً لوالدنا وقائدنا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد - حفظهم الله وسدد على دروب الخير والحق خطاهم.
لقد تحقق الحلم الذي حمله في قلبه منذ عقود ذلك الأمير المستنير عبدالله بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود رئيس الهيئة العامة للرياضة، فهو شاهد عيان على بداية التفكير لتطوير الرياضة في المملكة قبل 14 عاماً تقريباً، عندما وجّه الملك عبد الله- رحمه الله - وكان حينها وليّاً للعهد - بتشكيل لجنة لتطوير الرياضة برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة الأسبق الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - وكان الأمير عبد الله بن مساعد عضواً فيها، ومنذ ذلك التاريخ تتابعت اللجان في عمل دؤوب واضعين اللبنات الأولى لمشروع الخصخصة؛ واسمحوا لي أن أحيي الأمير عبد الله على لفتته الكريمة ووفائه غير المستغرب، حينما استذكر بالشكر جميع من عمل معه طيلة السنوات الماضية من وزراء ورجال أعمال لأجل هذه اللحظة التاريخية التي صدر فيها القرار.
إنّ الحروف تضيع وسط زحامٍ من المشاعر، وأحسب أن كل مهتم ومحب لرياضة الوطن يشاطرني الشعور نفسه، ونحن نرى اليوم حلم أجيال يتحقق وقاطرة الغد المشرق قد انطلقت، تحيطها رعاية الله ثم عزائم الرجال المخلصين الذين أحبوا وطنهم وترجموا هذا الحب عملاً ملموساً سنرى ثماره في القريب العاجل بإذن الله.
لقد شدني من حديث سمو رئيس هيئة الرياضة في المؤتمر الصحفي الذي عقده سموه للتعليق على القرار التاريخي، موضوع البعثات الرياضية، حيث نقل حرص مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وحرص سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شخصياً، على هذا الموضوع وأنّ الهيئة بصدد إرسال بعثات رياضية للدراسة في الخارج مستقبلاً، وهذا أمر رائع واحترافي ويواكب النقلة النوعية التاريخية للرياضة في المملكة، ولعلّي هنا أستذكر جزءاً من مقالي المنشور هنا في الجزيرة قبل شهر تقريباً وتحديداً في يوم 22 أكتوبر الماضي، حيث كتبت في معرض حديثي عن واقع الإعلام الرياضي ما يلي: « نحن على أعتاب مشاريع وطنية كبيرة وفق رؤية 2030 والرياضة هي أحد مجالات تلك المشاريع الطموحة، والإعلام الرياضي هو أحد روافد النجاح، لذلك لا يليق أن يتم التسويق لرياضة وطننا عبر بعض النماذج الموجودة حالياً في الساحة، وعليه يكاد كل محب لرياضة الوطن يطمح في الصورة العامة، أن يلمس خطوات جديّة لإعداد جيل جديد من الإعلاميين الرياضيين المستنيرين بالعلم والمعرفة والثقافة، ليُظهروا للناس الوجه الجميل المشرق لرياضتنا السعودية، بعد أن تم تشويهه على مدى سنوات للأسف الشديد». عزيزي القارئ ولكي تتأكد من صحة كلامي ليس عليك سوى أخذ جهاز التحكم والتجول في أرجاء القنوات والبرامج الرياضية، لتشاهد وتسمع بنفسك نوعية ما يتم تداوله وطرحه على الهواء ، واسأل نفسك بعد ذلك كم شخصاً في تلكم القنوات يستطيع أن يواكب بطرحه الخطوات العملاقة التي تشهدها هيئة الرياضة في الوقت الراهن؟! لا أشك أبداً بأنّ الإجابة لا تسرّ الغيور على رياضة بلده، فإلى متى تصبح مخرجات الإعلام الرياضي ليس بمستوى وكفاءة المؤسسة الرياضية الأم؟! إنني أقترح على هيئة الرياضة بالتزامن مع البعثات الرياضية إطلاق برنامج لتدريس الإعلاميين الرياضيين مشاريع وأهداف هيئة الرياضة المستقبلية، لكي يستطيعوا إثراء المشاهدين بالتسويق الصحيح لرياضتنا، خصوصاً وأنهم يظهرون في فضائيات وبرامج يصل مداها العالم العربي بأسره، فنحن إذن بحاجة ماسة للتثقيف والوعي ونقل صورة جيدة عن الرياضة السعودية وفق رؤية 2030 الواعدة.
إن توظيف الشباب السعودي مسألة مهمة لا بد أن تأتي في سلَّم أولويات ما بعد الخصخصة، وقد قرأتُ ما تم تداوله عن توفير 40 ألف فرصة عمل بعد التخصيص، وإذا ما صحّ هذا الخبر فهذا بلا شك هو المطلوب فليس هناك استثمار ناجح كالاستثمار في الشباب السعودي بشهادة الأرقام في شتى المجالات، حيث أثبت شباب هذا الوطن بأنهم على مستوى الثقة متى ما أُتيحت لهم الفرصة، وقطاع الرياضة يعد هو القطاع الأكثر جاذبية للكثيرين من أبناء هذا الوطن، وحينها نستطيع القول بأنّ الرياضة تحوّلت فعلاً إلى صناعة وطنية نفتخر بها من بطاح مكة إلى ضفاف الخليج، ومن شموخ الجنوب إلى فيافي الشمال، وفي حضن الرياض يشرق الأمل ويتجدد ويتسارع العمل والجهود تتوحد لأجل وطن عشقنا أرضه وسماءه من صميم قلوبنا، نفديه بأرواحنا ونسترخص دونه كل غالٍ ونفيس ، حفظ الله جنودنا البواسل في الحد الجنوبي ونصرهم نصراً مؤزراً، وحفظ الله رجال أمننا الأبطال في الداخل ومكّنهم من رقاب الإرهاب، وحفظ الله هذا الوطن الغالي وأدام عليه نعمة الأمن والنماء وعلى دروب الخير دوماً نلتقي.
- محمد السالم