وهو الصبي الذي لم يتجاوز عمره اثنا عشر عاما، يتواجد بين هؤلاء الذين يتشاتمون ويتطارحون بقسوة لتشكل له خوفا من هذا المجتمع الذي لا يختلف عن سابقه من نبذ الآخر والقسوة عليه، ليلاحقه الحظ العاثر بعدم قبوله في أرامكو لصغر سنه رغم محاولات السيدة كاتي الأمريكية التي تعاطفت معه لوجود وثيقة تبين بأن عمره عشرين عاما والذي جاء بعد واسطة بهدف الحصول على وظيفة في عمر مبكر، عاد بعدها في رحلة مماثلة من العناء إلى مسقط رأسه، حصل على شهادة معهد المعلمين وعمره خمسة عشر عاما لينال شرف مهنة التدريس في «برحرح» أقاصي بلاد زهران حيث لابد أن يقوم بأعباء المنزل من طبخ وغسيل بنفسه، ومن حسن حظه وجد احتفاء من الأهالي وسخاء في التعامل والكرم، وفي مثل سنه كعادة أهل القرى البحث عن عروس بمقاييس نظرة الأب أو الأم ليكون شرط والد العروس قدرة العريس مطارحة العروس في مشهد أمام الحاضرين لتجهز عليه من اللمسة الأولى لتتبخر أحلام والده وأيضا أحلامه، تبدأ مسيرته التعليمية بمواصلة الدراسة في جامعة الملك عبدالعزيز قسم الاجتماع بعد أن رفض من قسم الشريعة بجامعة أم القرى بسبب نميمة من طالب جلس بجواره واشتم فيه رائحة الدخان ليكون قرار الدكتور إبعاده عن هذا القسم الذي لا يتناسب مع المدخنين رغم توسله بأن يقلع عنه وقوبل أيضاً بالرفض والطرد، في جدة ثمة صعوبة كانت تقف أمامه ضعف الموارد المالية لإعالته أسرة كبيرة فاضطر البحث عن عمل لتكون فكرة اقتناء تاكسي هي الأنسب وبالفعل اشترى سيارة مستخدمة بالتقسيط وبعد فشل في هذا العمل لجأ إلى الصحافة ليقوم بمهمة تصويب الأخطاء اللغوية والمطبعية ليترقى إلى مراجعة مقالات الكتّاب والمواد ذات العلاقة بالمجتمع، وكان له ما أراد برفع دخله ليحصل على شهادة البكالوريوس لتكون أمريكا وجهته القادمة مواصلا دراساته العليا في تخصص (انثرولو بوجيا ) وما كانت السفينة تسير بحسب الأهواء حيث إن المكافأة لا تفي باحتياج أسرته مما اضطر العودة بحثا عن مكان أنسب لتكون مصر محطة الدراسة، وهناك أنجز دراسته ليحصل على درجة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف الاولى، ولم يكتف بذلك بل قدم ما يزيد عن 36 بحثا ودراسة من بينها» التغير الاجتماعي والجريمة دراسة في سجون مدينة جدة، الخدمة الاجتماعية في السجون الأهداف وسبل التطوير دراسة ميدانية في سجون المملكة» ،» جماعة السجن البناء والثقافة كانت تركز على قضايا الأمنوالمجتمع والظواهر السلبية وكيفية معالجتها»، فضلا عن الكتاب الذي أغضب قبيلته «البناء القبلي والتحضر في المملكة العربية السعودية دراسة انثروبولوجية لقبيلة بني كبير» وكان البحث هو الذي يقود إلى النتائج وطُبع باللغتين الانجليزية اليابانية ويعتبر من المراجع الهامة للدراسات الانثرولوبوجية في الشرق الأوسط ويعترف البرفسور سعيد فالح بأنه أخفق أن يكون تاجرا أو صحافيا إلإ انه لم يخفق أبداً أن يكون أكاديميا يشار له بالبنان في مجال تخصصه وكاتباً صحفياً بارزا لزاويته الشهيرة في المدينة والوطن الموسومة ب «نصف الحقيقة» ذلك البروفيسور سعيد فالح الغامدي الذي دوّن سيرته الحياتية في كتاب أسماه «من مكتب كاتيا إلى سنة أولى حصار» زُين غلافه برسم تشكيلي للفنان الأستاذ يحيى باجنيد. وأهدى الكتاب لابنته الصغيرة «هدى» التي ماتت بسبب التهام حفنة علاج، دون تمكنه من علاجها أو إنقاذها، لضيق ذات اليد وقتها، وقد ترك فراقها أسى لم تمحه السنون .
- جمعان الكرت