الثقافية - محمد المرزوقي:
كائنات إلكترونية معولمة الثقافة أوجدتها الشبكة العنكبوتية التي تلف العالم اليوم بالمزيد من التطبيقات التي تزيد من تدخل نسيجها الشبكي بنسيج الحياة اليومية في مختلف المجالات، عبر شتى المعلوماتية المتدفقة التي تكرس عصر الانفجار المعلوماتي، ما عمق النسيج الشبكي في أعماق تكوين الإنسان المعاصر، عبر «الفردانية» لما تقوم عليه هذه الوسائل مما يعرف بـ«التفتيت» الجماهير، الذي هو أشد ما يكون مقارنة بالتأثير الجماهيري الذي تمتلكه وسائل الإعلام والاتصال بوصفها وسائل جماهيرية التلقي.
وبما أن الثقافة مرتكز رئيس، تتفرّع منه جملة من أهداف وسائل الإعلام، تظل الثقافة ذات بعدين حاضرين في الرسالة الإعلامية، وذلك عبر مستويين، أولهما بوصف الثقافة جذراً جامعاً بوصفها فكراً أو سلوكاً، أما الآخر فبوصف الثقافة هدفاً، تأتي ضمن منظومة الأهداف ذات الأولوية لأي وسيلة إعلامية في مختلف أنحاء المعمورة، ما جعل من الثقافة في حالة انتقالية من وسائل الإعلام صحافة وإذاعة وتلفزيون، إلى ثقافة وسائل التواصل المجتمعي التي شاعت تطبيقاتها منذ شيوع استخدام شبكة الإنترنت.
ربما يكون مجمل التعريفات الروائية التي تستقرئ التفاعلية أو الإلكترونية، فإنها تلتقي في أنها ذلك النمط من الروايات التي يقوم فيها المؤلف بتوظيف الخصائص والسمات التي تتيحها تقنيات النص على شبكة الإنترنت لإنتاج نص متفرع الذي يعتمد بناؤه السردي على ربط النصوص بعضها ببعض من خلال الكتابة، أو الصورة الثابتة أو المتحركة، وتوظيف الجانب الصوتي سواء كانت أصواتاً حية أو موسيقية، إلى جانب توظيف رسوم الجرافيك والأشكال المتحركة، والخرائط والجداول.. وغيرها مما تتيحه شبكة الإنترنت فيما يخض إنتاج النصوص، أو الصورة بمختلف أنواعها.
فضاء مفتوح للكتابة!
الدكتور سعد الرفاعي، استهل حديثه عن هذا اللون من الكتابة الإلكترونية قائلاً: علينا أو أن نقرر أو نسأل سؤالاً لا أظن أن هناك من يختلف على أهميته وهو: هل كل من كتب ما يسمى بالرواية الإلكترونية روائياً؟ أم أن المسألة لا تعدو أن تكون كتابة في فضاء مفتوح لكل من أراد أن يعبر بطريقته عبر الوسائل الحديثة اليوم التي أتاحت لكل مستخدم الكتابة فيها ليدعي الكتابة الإبداعية فيما كتب! ما يجعلنا - أيضاً - أمام سؤال آخر: هل من كتب هذا الشكل الذي أطلق عليه هذا المصطلح كاتباً مبدعاً وروائياً؟ أم أنه متسوّل لكتابة الفنون الأدبية للبحث عن فرصة لكتبة هذا الفن الأدبي أو ذاك! في وقت يعلم فيه أنه لولا هذا الفضاء المفتوح للكتابة ولمختلف أنواع إنتاج ونشر النصوص وغيرها لما وجد فرصة أمام ما يفترضه النشر الورقي من أعراف كتابية وقيميّة أدبية أول المهتمين بها الناشر والقارئ ثم الناقد.
بدايات رسمت النشأة
يقول الروائي والكاتب محمد المزيني: عندما ننظر اليوم إلى الرواية الإلكترونية بما يدل عليه هذا المفهوم من دلالة سواء الرواية التفاعلية، أو ما يُعرف - أيضاً - بالنص الروائي المتفرع، لما يميزه عن غيره من النسخ الإلكترونية الأخرى للرواية، أو الرواية الإلكترونية الأخرى المكتوبة على شكل نص روائي يضاهي الورقي، إلا أنه متاح على شبكة الإنترنت، فإننا سنجد جذور النشأة لهذا النوع من الكتابة معرف منذ سنوات، ويكون قدمه في بعض الدول التي شاع فيها استخدام الشبكة العنكبوتية مرتبطاً بذلك القدم، الذي أخذ أشكالاً قصصية متباينة المحتوى، إلا أن بدايات ظهور هذا الشكل السردي الإلكتروني كان مرتبطاً للكتابة للطفل.
أشكال نشر إلكترونية
الروائي خالد اليوسف، تحدث عن هذا النوع من الروايات، بأنه من أنواع الكتابة التي أخذت تظهر عبر الأشكال النصية عبر شبكة الإنترنت، مشيراً إلى تنوّع أشكال هذه النصوص بتنوع أساليب كتابتها والطرق التي يستخدمها مؤلفوها على الشبكة العالمية، بما في ذلك النسخ الإلكترونية، وصيغ (بي يدي إف) وغيرها، مشيراً إلى أن هذا الشكل من الكتابة الإلكترونية مما شاع عبر شبكة الإنترنت ضمن ما يُعرف بالنشر الإلكتروني، وخاصة بعد أن ظهر لدينا كما هو الحال على مستوى العالم من دور النشر التي اتجه نشاطها إلى النشر الإلكتروني.
الحبكة ووجهة التلقي
أما على مستوى «التلقي» فيما يتعلّق بنمو هذا النص التفاعلي، الذي يستهدف أدب الطفل لينمو تدريجياً إلى أن يكون موجهاً للقراء البالغين، قال محمد المزيني: علينا أن نشير - أيضاً - إلى مفارقة تتصل بالشريحة المستهدفة بهذه النصوص الإلكترونية، أنها نصوص سردية قصصية كانت تستهدف تقريب المعاني بشكل تتنوّع فيه طرق تركيب النص بين الكلمة والصورة الثابتة والصورة المتحركة والرسوم لكونها كانت تستهدف من لديهم قصور في الفهم، وضعف في الاستيعاب، مشيراً إلى أن هذه النصوص القصصية التي أخذت تنمو باتجاه النص الروائي، كانت تسعى إلى تقريب المعاني وتجسيدها بما تتيحه الإنترنت من أدوات أخرى تصاحب النص، ما يجعل من هذه النصوص ذات أبنية لها طابع العرض أكثر من كونه إبداع يهتم بالعمق الفني.
لا أفكّر في رصدها!
بما أن وجود هذه الأعمال بوصفها الإلكتروني على الإنترنت، يظل بحاجة إلى وجود ناشر، أو مكتبة خاصة به، أو موقع خاص برصد هذه الأعمال ليتسنى للقارئ والناقد الوصول إليها، وبما أن اليوسف صاحب إسهامات في رصد المنتج الأدبي في المملكة العربية السعودية، إذ يقدم كل نهاية عام رصد «ببلوجرافي» للإنتاج الأدبي في المملكة في مجال الشعر، وفي مجال النثر، وفي مقدمة ذلك رصد الرواية، والقصة، والقصص القصيرة، إلا أن اليوسف على الرغم من اهتمامه برصد حركة النشر الأدبي في المملكة فقد أردف اليوسف قائلاً: لا أفكر في رصد الرواية الإلكترونية، وخاصة أن هناك دوراً نشر سعودية خصصت نشاطها للنشر الإلكتروني، وحتى على مستوى هذا النوع من الروايات الإلكترونية فليس لدي أي اهتمام بأن أتصدى لرصد هذا النوع من الروايات.
البناء الروائيّ والوسيلة
ولكون البناء الروائي يقوم على فنيات لا يمكن الاختلاف حولها أياً كانت أوعية الرواية أو وسائطها الإلكترونية، فقد أكّد محمد المزيني على أهمية وجود الحبكة الروائية بمفهومها الفني كبداية قبول لهذا النوع من الروايات - ولو جدلاً - ما يفترض بعد ذلك وجود المقومات الإبداعية للنص قبل النظر إلى ما يصاحبه من أدوات كتابية أخرى، مردفاً قوله: لا يمكن التسليم بقبول نص سردي يحمل مسماه «رواية» ما لم يكن هناك حبكة سردية للنص الذي تقوم عليه فنيات الرواية المتعارف عليها في مختلف آداب العالم اليوم، التي يأتي إلى جانبها الشخصيات والزمان والمكان وعقدة الحبكة وغير ذلك من الأبنية الفنية والجمالية للنص.
دعوة إلى التأني!
قال الناقد الدكتور عبد الله المعيقل عن هذا الجانب: جميعنا يدرك ما أتاحته الشبكة العالمية من إمكانيات هائلة، لا يمكن أن تتيحه الكتابة التقليدية التي اعتدناها في كتابة فنون الأدبية الشعري منها والسرديّ وفي مقدمتها القصة والرواية وغيرهما، إذ أجد نفسي أمام هذه القناعة مما لا أميل إلى انتقادها كثيراً، لإحساسي بأن هذه التقنيات الجديدة متى ما تم توظيفها من قبل المبدعين في فن كتابة السرد فستكون قادرة على إيجاد فضاء جديداً، إذ أرى - أيضاً - هنا أنه ليس من الضروريّ أن نحكم عليه كمتلقين حكماً سريعاً وخاصة حسب مفاهيمنا ومعاييرنا التقليدية تجاه عمل جديد، ما يجعلنا هنا أمام حالة من الترقب لما ستؤول إليه الرواية الإلكترونية، وما الشكل الذي ستستقر عليه كتابتها بعد مدة زمنية، مؤكداً على أهمية النظر إلى ما فرضته وستفرضه الشبكة العالمية من أشكال كتابية، أصبحت تطبيقاتها في متناول كل مستخدمي هذه الشبكة، ما يفرض علينا أن ننظر إلى توالي أشكال الفنون بأنها مما يضيف بعضها إلى بعض، إذ لا يمكن أن يأتي شكل فني ليلغي سابقه، مشيراً إلى أهمية ما يفترض في كل شكل من امتلاكه روح الإبداع، وسحر الجماليات، والرؤية الإبداعية الخلاقة.
التلقي ونمو المصطلح
كما أكد المعيقل أن المسألة تجاه ما ظهر مؤخرا وتم تسميته بالرواية الإلكترونية، أو التفاعلية، أو النص الروائي المتفرّع، وغيرها لا يمكن إطلاق الحكم النهائي على نجاحه ومن ثم شيوعه كفن روائي، موضحاً أن «التلقي» لهذا الشكل الإلكتروني الروائي سيمهد أمامه الكثير من القبول، أو يضع في طريقه العديد من حالات الرفض ما يجعله ينتهي ويتلاشى كغيره من الأشكال التي انصرف عنها التلقي فآلت إلى الاختفاء، مؤكداً على أن التسميات التي تعودنا عليها كمصطلحات تعد إطار يقيد النصوص ولا يترك لها فضاء رحبا من الانطلاق والنمو، مردفاً قوله: متى ما وضعنا اليوم أمام بدايات ظهور الرواية الإلكترونية شوط معينة ومعايير كثيرة فإن ذلك مما سيحد من نمو مثل هذه النصوص، وخاصة إذا ما كان التلقي يعكس صورة إيجابية تجاهها، إذ لا يمكن أن نسلم بأن هناك شروطاً إبداعية علينا أن نمليها على كل مبدع وشكل كتابي جديد، فكل فن جديد قادر مع الوقت أن يخلق سماته، وأن يبني فنياته ويشكل البعد الجمالي فيه، ما قد يضعنا مستقبلاً أمام العديد من المصطلحات التي ستتحول إليها ما يُعرف اليوم بالرواية الإلكترونية.
مصلحات غير دقيقة!
وعن واقع المصطلح - أيضاً - بشكل الجنس الكتابي الذي يمثّله هذا النوع من الكتابة على شبكة الإنترنت، أكد الكاتب والروائي سعيد الأحمد أن ما يتم تداوله حول هذا الشكل الكتابي من مصطلحات منها: الرواية الإلكترونية، الرواية التفاعلية، رواية النصوص المتفرّعة، إلى غيرها من المسميات مصطلحات ليست دقيقة، مضيفاً قوله: إذ ما أردنا أن نقترب من هذا النص بشكل كبير ونكون أكثر دقة من خلال المسميات وما هو ماثل أمامنا على الشبكة العنكبوتية، فإنني أجد أفضل تسمية له، وأدق توصيف يمكنني التوصل إليه هو تسميته بنص «المحتوى متعدد الوسائل» لما يعكسه هذا الشكل من تعدد أدوات بنائه ولما تقوم عليه فكرته من وسائل ووسائط إلكترونية يتم توظيفها لإنتاج ما يتم تداوله اليوم بمسمى الرواية الإلكترونية، مشيراً إلى أن هذا المحتوى يدخل ضمن ما يعرف بمصطلح «ملتي ميديا» بمعنى متعدد الوسائل.
لا.. لظلم الأجناس!
كما اعتبر الأحمد أن التصدي للأشكال الكتابية أيّاً كان جنسها، أو أياً كانت وسائطها فإنه مما لا يختلف عليه اثنان بالتعامل مع كل نص بالأدوات النقدية التي يتطلبها النص وفنه، ومن ثم وسائله، مؤكداً على أهمية هذه الرؤية بقوله: أنا ضد أن يقيم نص إلكتروني سلك هذه الوجهة الإلكترونية بأدوات نقدية تقليدية، إذ هو بمثابة ظلم الجنسين التقليدي، والآخر الإلكتروني، ما يفترض على الناقد هنا أن تكون أدواته النقدية ورؤيته بمستوى ما تشهده المعارف اليوم من نمو هائل، وما وصل إليه النص الإبداعي من تطور كبير في تقنيات الكتابة الإبداعية، وفيما سخر له من الوسائل والوسائط، ما أدى إلى تغيّرات متتالية شكلاً ومضموناً، وكأني بلسان الناقد «الحقيقي» اليوم بأنه الناقد الذي يرى في نفسه بأنه ناقداً لا يزال يتعلّم أمام هذا المد من تحولات المعرفية الإنسانية عامة والإبداعية بصورة خاصة.
تلازم غويات الكتابة!
وعن «متلازمة التنامي» بين المؤلف والناقد، قال الأحمد: نحن أمام بعدين مهمين، الأول منهما يعيدنا إلى ما يجسده هذا الشكل الكتابي الذي أخذ في الانتشار على شبكة الإنترنت من تكريس ظاهرة»استسهال» الكتابة، التي كان من الطبيعي أن تمتد بشكل أكبر من الورقي إلى الفضاء الشبكي المفتوح والمتاح بأيسر الوسائط وأسرعها، ما يسر من فتح الفضاء أمام كل من يريد أن يكتب دونما قيد ولا كلفة، أما الأمر الآخر، فيمثّله غواية الناقد بفنه التي تأتي كعلاقة الشاعر بغواية القصيدة، ما يجعل من دور الناقد دوراً مهماً وحيوياً في مواكبة الفنون الإبداعية وما تشهده من تحولات، ما يجعل من الركن الثالث في هذا الجانب يمثّله «القارئ» الذي أصبح لديه من القدرة على فرز النصوص، والوعي بقيمتها مضموناً وشكلاً، ما يكفل حضور الكتابة الإبداعية ورفض ما سواها.
تجارب «شبابية» فاشلة!
أما عن تنامي هذا الشكل السردي الكتابي، وخصوصاً ما أخذ يسرده شريحة من الشباب على شبكة الإنترنت أكد المزيني أن القضية في منتهى الصعوبة أن تقوم بتحويل نص روائي إلى عمل يكاد يأخذ جوانب من الشكل الدرامي، ما يجعل من بناء رواية بهذا الشكل الإلكتروني الجديد في منتهى الصعوبة، وخاصة ما يتطلبه إنتاج نص روائي بهذه الطريقة، مضيفاً قوله: الرواية الإلكترونية تضعنا أمام محورين رئيسيين، أولهما: القدرة على كتابة حبكة روائية، أما الآخر فيتمثّل في القدرة على استكمال أبنية روابط هذا النص من صور ثابتة ومتحركة ومن مؤثرات صوتية وغيرها من أبنية تلك النصوص الإلكترونية، مختتماً حديثه في هذا المحور قائلاً: ما نجده اليوم مبثوثاً عبر شبكات الإنترنت بما في ذلك ما نجده - على سبيل المثال - على قناة «اليوتيوب» لا يتجاوز أن يكون نتاجاً هجيناً تقوم على تجميع مواد مستهلكة توفرها شبكة الإنترنت التي أصبحت في متناول استخدام الجميع.