محمد عبد الرزاق القشعمي
قدر لي السفر برفقة الصديق الأستاذ عبدالرحيم الأحمدي لليابان – لأول مرة – لحضور حفل تكريمه لنيل جائزة (الراحة) التي بدأت مؤسسة موتو كاتاكورا لثقافة الصحراء تمنحها منذ سنتين لمن يقدم عملاً يرضي ضميره، إذ مُنحت قبل سنتين لأحد أبناء اليابان وزوجته لقيامهم بالتطوع بتشجيع تشجير الصحراء في الصين وغرس الأشجار في الأماكن العامة خدمة للمجتمع، وللعام 2015م منحت للأستاذ عبدالرحيم الأحمدي الذي أسهم وساعد الباحثة موتو كاتاكورا عند قدومها لوادي فاطمة بمنطقة مكة المكرمة قبل نحو خمسين عاماً. إذ كان وقتها يشغل وظيفة مدير مركز الخدمة الاجتماعية بالوادي. وكانت الباحثة ترافق زوجها السفير كونيو كاتاكورا الذي كان يعمل في السفارة اليابانية بجدة، وكانت موتو تعد البحث لنيل درجة الدكتوراه عن موضوع التحول من حياة البداوة إلى حياة الاستقرار والتوطين، وقد عمل الأحمدي على تذليل الصعاب وتقديم كل الإمكانات اللازمة لتحقيق متطلبات بحثها واستمرار علاقتهما، والتي علمتْ بما يقدمه الأحمدي لغيرها من خدمات مختلفة طول فترة عمله كمدير لمركز التنمية الاجتماعية بوادي فاطمة. وأخيراً مديراً لمركز التنمية الاجتماعية بالدرعية، انتقل بعدها كمدير للشباب والرياضة بمجلس التعاون الخليجي حتى تقاعده قبل 15 عاماً ليواصل عمله من خلال دار نشر أسسها باسم (المفردات للنشر والتوزيع) كل هذا وهو يقدم خدماته الاجتماعية ومساهماته في الأعمال الإنسانية الأخرى.
أقيم الحفل يوم الخميس 3 نوفمبر 2016م في طوكيو بحضور عدد كبير من الأدباء وأساتذة الجامعات والمهتمين حيث منح شهادة براءة مع درع ذهبي إضافة لمبلغ مليون ين.
- تنازل عنه كدعم للمؤسسة ومشاريعها الإنسانية – تم في الحفل نفسه منح الجائزة للعام 2016م للأستاذة يوكي كونا غايا لعملها وسط بادية منغوليا عن حياة البدو الرحل وتتبع مراحل تطور استيطانهم وتقديمها بحث نالت به درجة الدكتوراه.
لقد ذهلت بما شاهدت وعشته طوال مدة مرافقتي للأستاذ الأحمدي وابنيه غسان وحيان – وكان يرافقنا طوال أيام وساعات التنقل السفير كونيو كاتاكورا سبعة أيام منها ما كان بطوكيو حيث زرنا السفارة وسلمنا على السفير السعودي أحمد بن يونس البراك. وبعد حفل الجائزة زرنا في اليوم الثاني المعهد العربي الإسلامي الذي تشرف عليه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتفقدنا طلابه في فصولهم الدراسية ومكتبته والمتحف واليومين الأخيرين خصصتا لجولة خارج طوكيو على ضفاف بحيرات جبل فوجي والذي كان يتفجر منه بركان كبير قبل نحو 400 عام، وقضينا ليلة جميلة في فندق بقرية ميشيما على شاطئ المحيط الهادي ومررنا في طريقنا على منزل أهل الأستاذة ميساو غونجي مستشارة مؤسسة كاتا كورا، وجدنا والدها ووالدتها بانتظارنا وقد أعدا لنا حفل شاي مع الفاكهة والحلوى وقد استقبلانا بترحاب شديد وعواطف لا تكاد توصف وغمرانا بمشاعرهم الفياضة رغم عدم معرفتنا بلغة الآخر... وعندما غادرنا منزلهم واصلا تشييعنا مشياً على الأقدام ونحن بالسيارة ولمسافة طويلة رغم كبر سنهما إذ تجاوزا الثمانين من عمرهما.
كنا قد زرنا بعض معالم طوكيو ومنها أطول برج يزيد ارتفاعه على 850م والسوق الشعبي وأحد المعابد وكذا المطاعم الشعبية وغيرها.. واختتمنا زيارتنا بزيارة موقع بركان جديد في أحد الجبال يمر من فوقه طريق للسياح بواسطة الكباين المعلقة (تل افريك) وقد حفر في عدد من مواقع الجبل منافذ يتنفس منها بدل أن ينفجر بقوة لا يسيطر عليها. وقد وجدنا أغلب زوار الموقع من أبناء اليابان يأكلون البيض وقد صبغ باللون الأسود، ولم نعرف تفسيراً لهذا!!
حفل توزيع جوائز
يوتو روغي الثاني والثالث:
جوائز الراحة تعني باللغة اليابانية يوتو روغي، أقيمت بقاعة مجهزة وفي مدخلها الرئيس صفت لوحات لصور قديمة للحياة الاجتماعية بوادي فاطمة أثناء إعداد البحث وقد كُبِّرت وأضيف إلى جانبها بعض المطبوعات التي أعدتها المؤسسة للحفل وغيره كما أضيف بعض ما أحضرناه معنا من مطبوعات للمناسية.
أعدت مطوية باللغتين العربية واليابانية، بغلاف يحمل صورة جمل بشداده وسفايفه تضم معلومات عن المؤسسة وفقرات الحفل كما ضمت مقالات للمحتفى بهما: عبدالرحيم ابن مطلق الأحمدي، والأستاذة يوكي كوناغايا، وسيرة ذاتية ومبررات فوزهما بالجائزة قالت عن الأول: عمل بكل إخلاص من أجل تنمية المجتمع في عدة بقاع بالمملكة العربية السعودية وفي منطقة الخليج، ولا سيما في مركز التنمية الاجتماعية بوادي فاطمة منذ عام 1962م. ولم يأل جهداً في التعاون مع موتو كوتا كورا في بحثها الميداني منذ أن كان رئيساً للمركز، وهو الأمر الذي أثمر عن رسالة الدكتوراه التي قدمتها، إضافة إلى كتابها (قرية بدوية). كما أسس السيد عبدالرحيم داراً للنشر أملاً في تعليم الأجيال الجديدة من خلال كتاباته، وأسهم بشكل كبير في إعادة تقييم ثقافة الصحراء. وقد قررت لجنة التحكيم منح السيد الأحمدي جائزة يوتو روغي الثانية منها لهذه الجهود ولمعرفته واتساع رؤيته ومؤلفاته في مجال ثقافة وأدب الصحراء.
وقالت عن الثانية: كرست الأستاذة يوكي كوناغايا نفسها لسنوات طويلة للبحث في مجال الثقافة المعيشية لدى البدو الرحل في منغوليا من خلال دراساتها الميدانية منذ ذهابها للدراسة هناك عام 1979م لتصبح أول يابانية تدرس في منغوليا، وقد أسهمت بشكل كبير في تطور أبحاث علم الإنسان الثقافي المتعلقة بثقافة الترحال، حيث قامت أعمالها بتعميق وصف الأعراف البشرية للعادات ولتقنيات إدارة الماشية وما يترتب على ذلك من نقاش دقيق، كما قامت في الوقت نفسه بتسجيل شهادات ذات أهمية كبيرة لأناس عاشوا في ظل الاشتراكية في القرن العشرين باللغة المحلية. وقد قررت لجنة التحكيم منحها جائزة يوتو روغي الثالثة تقديراً لقدرتها المتميزة على التعبير التي يمكن ملاحظتها في أفكارها المبتكرة ومقالاتها المكتوبة بلغة ميسرة.
حضر الحفل إلى جانب من ذكر بعض الطلاب السعوديين والدكتور ناصر العميم مدير المعهد العربي الإسلامي، ومحمد القحطاني مندوب السفارة لتعذر حضور السفير لارتباطه بمناسبة بروتوكولية، كما حضر عدد من إعلاميي وصحافيي وسائل الإعلام اليابانية والمهتمين بالدراسات الأكاديمية. بعد تقديم ملخص وتعريف بالفائزين قدم السفير كونيو كاتا كورا بصفته رئيس مجلس أمناء المؤسسة ورئيس وممثل الدراسات الإسلامية الدرع والشهادة للمحتفى بهما، ثم ألقى كل من الفائزين ملخصاً لورقتيهما أعقبه استراحة ليعود الجميع إلى ندوة حوار ونقاش يجمع الفائزين بمجموعة من الأكاديميين والإعلاميين يتحدثون عن برامجها وتفاصيل عملهما واهتماماتهما واتيحت الفرصة لمداخلات آخرين ثم طلب رأيي بأخي عبدالرحيم الأحمدي وما يتصف به من خلال علاقتي التي امتدت معه لما يزيد على 40 عاماً. كما طلبت شهادة ابنيه غسان أحد مسؤولي السفارة السعودية بموسكو وحيان ممن يعمل في أحد البنوك. انتقل الجميع بعدها إلى قاعة ثانية حيث أعد حفل غداء بمرافقه فرقة موسيقية أدت بعض الأغاني الشعبية اليابانية والعربية.
في اليوم الثاني للحفل وبعد زيارة المعهد العربي الإسلامي انتقلنا إلى مقر المؤسسة الذي احتل منزل أسرة كتاكورا القديم، مقر متواضع وعمل ثقافي كبير وقد كتب في أعلا المدخل اسم (بيت الجمل) وبعد جولة قصيرة عرض بعض نشاطات المؤسسة وتولى الدكتور هيروشي ناواتا – مدير المؤسسة – شرح ما تم وما يؤمل أن يتم مستقبلاً تولى ترجمة حديثه لنا الأخ حيان الأحمدي باللغة العربية.
واختتم اللقاء بإهدائنا بعض المطبوعات ووجدنا نواة لمكتبة ستتولى المؤسسة تنميتها وإضافة المواد الثقافية المناسبة لمهامها ولثقافة الصحراء وقد وعدناهم بتزويدهم مستقبلاً بما يتناسب واهتمامهم.
لقد تعرفنا على عدد من الباحثين الجادين الذين سبق أن قدموا للمملكة وأعدوا الكثير من البحوث والدراسات أذكر منهم الدكتور عبدالعزيز تانشو الذي يعمل رئيساً للاتحاد للجهود المبذولة من أجل مستقبل البشرية، وسبق أن أصبح مراسلاً لجريدة المدينة بجدة. والدكتورة ياسمين ناؤكي والدكتورة ناريما، والمحامية ماسيون موتو، وسكريترة المؤسسة يوكو والمستشارة ميساو غونجي التي ألفت قبل سنوات عدة كتب عن المملكة عند زيارتها برفقه زوجها وبقائها بالمملكة بضع سنوات التي أخذتنا إلى منزل أهلها في بلدة ميشيما بمنطقة جبل فوجي، ولا ننسى المسؤولين والمدرسين في المعهد العربي الإسلامي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ومنهم مسؤول العلاقات العامة الأستاذ نايف سوزوكي.
لقد قضينا سبعة أيام من أجمل أيام العمر لقد رأينا بأم أعيننا ولمسنا وعشنا بين أناس يحترمون ويقدرون الجميع شعرنا بقيمة الإنسان والوقت شعرنا بقيمة احترام النظام وتقديسه. لقد تذكرت جواب الإمام محمد عبده قبل أكثر من قرن عندما سئل عند عودته لمصر من فرنسا قائلاً: وجدت مسلمين بلا إسلام وهنا الإسلام بلا مسلمين.
تحية تقدير واحترام لسعادة السفير كونيو الذي قضى عمره ممثلاً لليابان في سفارات المملكة والعراق وإيران ومصر والإمارات العربية وغيرها. وكل من رافقنا وأشعرنا بقيمتنا.
لا يفوتني الإشارة إلى ما وجدته في ملفات المؤسسة من لقاء مع الراحلة التي سميت المؤسسة باسمها موتوكو كاتا كورا التي أصيبت آخر حياتها بمرض السرطان وتوفيت قبل سنتين وأوصت بتأسيس المؤسسة وأوقفت ثروتها عليها ورعاها ووفى لها زوجها السفير كونيو. فله التحية والتقدير.
لقد وجدت في أحد الملفات مقابلة صحفية أجرتها معها الفنانة التشكيلية منيرة موصلي نشرتها جريدة المدينة في صفحة ذات الخمار بعددها 1904 الصادر يوم الخميس 27-4-1390هـ - 1970م قالت في مقدمتها:
يابانية في وادي فاطمة..
تحضر رسالة الدكتوراه عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المملكة
«جاءت من الشرق الأقصى.. بلاد الجمال والفن والتقدم الصناعي.. جاءت من اليابان بصحبة زوجها السيد كونيو كوتا كورا، السكرتير الأول في سفارة اليابان لم تكتف السيدة موتو كوكاتا كورا بوضعها كزوجة لرجل دبلوماسي وما يتطلب هذا الوضع من جهد ليكونا الصورة المشرفة لبلاد الشمس المشرقة.. بل راحت تبحث في ذكاء بلورته التجارب العلمية وصقل العزم عن مجال لدراستها ومصدر لنيل شهادة الدكتوراه التي ستقدمها بعد شهور لجامعة طوكيو.. اختارت وادي فاطمة كمتسع بدائي فسيح لدراسها.. عاشت حياة البدو بكل بساطتها.. سكنت الخيام، وبيوت الشعر ولبست ملابس الوادي النسائية.. تحملت الشعور بالوحدة والغربة وقطعت المسافات لتجعل رسالتها عن النظام الاجتماعي والاقتصادي في الوادي.. قابلتها في بيتها.. بل دعنا نسميه متحفها الصغير الذي ضم آثاراً وتحفاً من كل مكان.. أول ما يلفت نظرك عند مدخله حصيرة فرشت على أرضه وبرقع لبدوية علق على بابه وصندوق سيسم قديم جداً وضع في واجهته وقربه زينت جداره.. وكانت أمسية ممتعة.. انتقلت خلالها في رحلة طويلة إلى الوادي واليابان دون أن أدفع ثمن التذكرة أو أتحمل مشاق السفر.. وتعلمت أشياء كثيرة جدا كنت أجهلها، منها أن المعرفة لا تنبع من التطور فقط وأن الإرادة وسياسة اكتساب قلوب الناس وعقولهم تصنع كل شيء من لا شيء..».
ورغم طول مدة الطيران التي تجاوزت في الذهاب 8 ساعات وفي الإياب 11 ساعة وقد سألت من سبب فرق الوقت رغم أن المسافة واحدة فقيل إن الذهاب مع اتجاه عقارب الساعة أي دوران الأرض والعودة بعكسها إذ يزيد الوقت – لم نشعر بالسأم أو التعب إلا أقله.
أجد أنه من الصعب أن أنهي هذا الحديث ولكني مضطر وفي النفس شيء من حتى.