ياسر حجازي
1
هل الوعي هو الشكّ؟ كأنّ كلمة «وعى» تعني وجوديّاً «شَكّ»؟
هل يشكّ الحيوان؟ هل للشك حالة وجود سابقة عن الوعي وكامنة في الغريزة؟ لماذا وقف التطوّر الحيوانيّ عند الإحالات الإحيائيّة؟
الشكُّ أصلٌ في طبيعة الوعي الإنساني، ونحن (هنا، ولغاية في المقال) نتشكّك في وجوده غرائزيّاً قبل الوعي، ولا نقطع في ذلك، فهو في وعيّ كلّ فرد وهو أقرب إلى طبيعة الفرد من اليقين، فكأنّ اليقين حالة فكريّة مُسبّبة ومرتبطٌة بالجماعة وليست بالفرد وفردانيته، ونحن نجد فيما آلت إليه أحوال الإنسان إثباتاً أنّه انقاد إلى الشكّ في رحلة خروجه من عالم ما قبل الإنسان - الوعي إلى ما وصل إليه دون باقي الكائنات الحيّة.
الشكُّ هو العلم، وهو اليقين نفسه، ولعلّ أكثر ضبط علميّ فعليّ للعلم لا يجب أن يخلو من الشكّ أولاً، وقبل أيّ شيء آخر: (فإذا لم تشكّ بشيء فإنّك لن تعرفه!!)
2
إنّ وَعْيَ (الأنا - الأناني) الأوّل في الإنسان الناجم عن إدراكه للموت مرتبط بالشكّ بالحياة، (نحييد المعاني الثقافيّة لمفهوم الأنانيّة في قراءة الوعي الأناني الأوّل تحديداً) وبالتالي إدراكه لمعنى أنّه حيٌّ مرتبط (بالشكّ) في استمرارها، وما يلحق بذلك (الحريّة الذهنيّة المطلقة، الخوف) مسؤول عن بناء الوعي الأناني (كطوطم إنساني متجذّر في الأنسنة) بحيث (إباحة كلّ شيءٍ) لأجل التوافق مع إفرازات الوعي (نتائج جدل مفردات وقيم الوعي الداخلية وعلاقتها بالخارج)، التي يجب أن تنصبّ في مصلحة صاحبه؛ ونحن حينما نقول (إباحة كلّ شيء) فإنّ اختيارنا للغة يقوم على وعي قائم فينا (الآن)، لأنّك لا تستطيع أن تخضع الوعي الأناني الأول، الذي هو فوق الإباحة والمنع، لمفردات وعي متقدّم عليه، فكلاهما: (المنع والإباحة) مرتبط بنشأة الجماعات، وتنظيم العلاقات بين الأفراد، رغم تطوّر الوعي في مراحل متقدمة إلاّ أنه لا يتنازل نهائيّاً عن طبيعته الأساس، لأنّ هذه الطبيعة مسؤولة عن وجوده حيّاً وواعياً، وإذا ما فرّط فيها فإنّه يفرّط في وجوده الفردي ويدخل في المحو العدمي؛ والمحو العدمي حالة تؤدّي بصاحبها إلى إدمان المحو حدّ التلاشي والذوبان أو تُودي بصاحبها مباشرة في الانتحار. ومحلّ الافتراض هو امتحان القوّة والقدرة، وهذا شيء يمكن إسقاطه من نظرية الانتخاب الطبيعي والبقاء للأقوى تكيّفاً، ويمكن تفسيره ثقافياً بالاستناد إلى النظرية البيولوجيا/ الإحيائية الجين الأناني في الحياة كلّها وليس في الإنسان فحسب؛ فالأصل البيولوجي الإحيائي مجبول بطبيعة جينية أنانية عصمة للحياة من الفناء، أو عصمة من غلبة الفناء على الوجود، وذلك لا يكون بوجود جينات مستقرّة لا تصارع أخرى أنانيّة، فحماية الحياة تكون بتطوّرها؛ فهي خاضعة لهذا البارادوكس: (أن الاستقرار ضد الحياة وهو الفناء، وأن الاضطراب ضمانة لتطور الحياة وبقائها).
3
الإنسانُ مجبولٌ على القتل بسبب (الخوف والشك: ماذا لو؟) ومجبولٌ على كلّ ما يظنّه يحميه من الموت، بغضّ النظر عن أثر تلك الأفعال على الآخرين، وكل تلك الأعمال التي يقوم بها في سبيل حمايته هي شرور من منظور تشريعي ديني ومديني يريد ترويض الإنسان لأجل الإنسان والكيان وليس من منظور (الوعي الأناني). والإنسانيّة منذ بداية الوعي حتّى تاريخه تدفع فاتورة صدمة وعي الموت والشكّ بالحياة، الذي هو وعي قاتل، ولكنّه في الوقت نفسه مسؤول عن حماية الإنسان، وهذا رهان الإنسان في مواجهة (تجيير) جيناته الأنانية واستخداماتها لصالح سلامة النوع وتطوره، وليس في سبيل إبادته، رغم أنّه لم يصل إلى إزالة القتل نهائيّاً من طبيعة وعيه، على الرغم من كلّ الشرائع والتشريعات التي تحدّ من ذلك، وفي الوقت عينه تحرّض عليه في مواقع كثيرة.