د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
استعمال أستاذنا الصاعدي (ستّ تغييرات) أمر حاول سعيد بن عبدالخالق تأويله بإرادة جمع اسم المرة (تغييرة)، وهو أمر غير مناسب للسياق فلا فائدة منه؛ لأنه ليس المراد بيان تعدد حدوث الفعل بل بيان أن جملة من الأمور المختلفة تغيرت، فالتغيير مراد فيه الشيء المتغير، ومن الغريب موافقة أستاذنا الصاعدي لسعيد الذي ذهب في تعليقه على ما نقلته من (المقاصد الشافية) إلى أن الوارد في النسخ المشار إليها في الحاشية صحيحة، وهي صحيحة من حيث الصياغة اللغوية العامة؛ ولكنها غير ملائمة للسياق ما لم يكن المراد بها جمع تغيير، فالمراد في السياق (تغيير) لا (تغييرة). ولم يوفق حين دفع النص الوارد في شرح السيرافي بحجة أنه يظن الكلمة محرفة بحجة أنّ طبعة الشرح تجارية، وبأنه بعيد عن مكتبته حيث النسخة المحققة، وهذه حجة غير مقبولة فكم من طبعة تجارية هي أدق ضبطًا من نسخة محققة. وبهذا المنهج يرد جملة ما ورد في الكتب الأخرى بالظن أنه مصحف، وإن الظنّ لا يغني من الحقّ شيئًا، ولكن المشكلة التي تواجهنا أن الكتب التراثية ملئت بجمع المجرد من التاء بألف وتاء، وسأذكر أمثلة لذلك من كتب النحويين:
جاء في (المقتضب للمبرد، 4: 357) «إِنَّمَا وضعت الْأَخْبَار جوابات للاستفهام». مع أنّ لفظ (جواب) يجمع على أجوبة. ومثله ما جاء في (الأصول لابن السراج، 1: 435) «تتلقى اليمين بأربعة أحرف من جوابات الأيمان في القرآن وفي الكلام: مَا، ولا، وإن، واللام». وكذلك في (اللامات للزجاجي، ص86) «وأما الجواب بما ولا فقولك: والله لا يقوم زيد، ووالله ما يقوم زيد، فقس على هذا جواباتِ القسم». فتراه جمع بين المفرد (جواب) والجمع (جوابات)، وكذلك في (شرح الكتاب للسيرافي، 2: 113) «وما أشبه ذلك من جوابات (متى) قد يجوز أن يكون جوابا لكم،».
وجاء في (الجنى الداني للمرادي، ص 160) «تنبيهات: الأول: تنفرد الواو في العطف، بأمور». وفي (ص 556) «وهنا تنبيهات: الأول: إذا كان الفعل حالًا، أو مؤولًا به، فحتى ابتدائية». فتراه جمع تنبيهًا على (تنبيهات) مع إمكان تكسيره على (تنابيه) وتجده في التفصيل قال (الأول) لا (الأولى). وكذلك في (مغني اللبيب لابن هشام، 1: 426) «تَنْبِيهَات: أَحدهَا قد اجْتمعت زيادتها فِي الْمَنْصُوب وَالْمَرْفُوع»، فتراه قال أحدها لا إحداها. وفي (1: 501) «تَنْبِيهَات: الأول من الِاسْتِئْنَاف مَا قد يخفى وَله أمثلة كَثِيرَة». وتراه قال في التفصيل الأول لا الأولى.
وجاء في (المقاصد الشافية للشاطبي، 4: 676) «ثم على كلامه سؤالات، أحدها أن الذي يَتْبع من النعوت ثلاثةٌ، نعتُ البيان المنبَّه عليه، وهو المفتَقَر إليه»، جمع سؤالًا على سؤالات مع أنه يجمع على أسئلة.
وجاء في (شرح التسهيل لناظر الجيش، 4: 1678) «ولهم في بيت لبيد تخريجات»، فترى عنده جمع (تخريج) على تخريجات مع إمكان جمعه على (تخاريج). وكذلك في (التصريح لخالد الأزهري، 1: 253) «قال المرادي في شرح التسهيل: وهذه تخريجات متكلفة،».
ومن المصادر ما لا يكسر فيجمع بألف وتاء، جاء في (شرح التسهيل لناظر الجيش،6: 3056) «وكم له من استدراكات». وكذلك في (التصريح لخالد الأزهري، 1: 606) «وهذا القسم من استدراكات الموضح».
وجاء في (تفسير البحر المحيط لأبي حيان، 2: 418) «وهذا الاستفهام لا يحتاج إلى جواب، وكذا أكثر استفهامات القرآن، لأنها من عالم الغيب والشهادة، وإنما استفهامه تعالى تقريع»، وكذا في (حاشية الصبان، 2: 155) «وإذا توالت استفهامات بأم المنقطعة فالجواب لأخيرها للإضراب إليه عما قبله فاعرف ذلك».
وجاء في (شرح التسهيل لابن مالك، ص 103) «وإذا كان على هيئة مستثقلة يُضاعف استثقالها بتعرُّض ما هي فيه إلى استعمالات متعددة». وكذا في (شرح الكافية الشافية لابن مالك، 2: 1022) «قد تقدم أن أحد استعمالات المصدر العامل». وفي (شرح الشافية للرضي 4: 314) «وسمع له استعمالات أربعة ذكرناها في شواهد شرح الكافية». وفي (شرح الكافية للرضي 3: 49) «(استعمالات) (ما الاسمية) (قال ابن الحاجب:)». وفي (المقاصد الشافية للشاطبي، 6: 39) «لأنها على ما تقدم ذات استعمالات».
والذي أريد الانتهاء إليه هو أنّ المصدر المجرد من التاء يمكن أن يجمع جمع تكسير كما بيّن الرضي؛ ولكنه يجمع بألف وتاء أيضًا، كما رأينا في استعمال بعض النحويين، وعليه يكون قول محمد عيد في النحو المصفى سديدًا، ومن هنا كان استعمال بعض النحويين (ثلاث تغييرات) معتبرًا فيه لفظ الجمع لا الواحد، ولعل تخريج استعمال أستاذنا الصاعدي (ست تغييرات) على هذا أولى ليسلم له المفرد (تغيير). ويمكن بهذا كون استعماله صحيحًا لا فصيحًا، إذ الفصيح ستة تغييرات وستة تغايير.