للنجومية حالات أخرى غير التي ألفها الناس، فلم تعد حكراً على لاعب أو فنان، بل تخطت هذه المفهوم لتقتحم المجال الإداري، فتصطفي بعض المديرين المصابين بمتلازمة حب الظهور والبروز على الساحات، فتصنع منهم نجوماً يعشقون الأضواء ويبحثون عنها .
المدير النجم شخصية طاغية الحضور في إدارته ومجتمعه يزاوج بين المتناقضات ويصنع منها نسقاً خاصاً به يضفي علي شخصه أبعاداً من الشهرة والشعبية .
المدير النجم شخصية ثلاثية الأبعاد، فبعد يعيش به في منزله وبعد يعيش به مع رؤسائه، وبعد يؤطر حضوره مع الأتباع مرؤوسين وأقارب وجماهير .
فالبعد المنزلي هو البعد الذي يظهره على حقيقته، لا يتصنّع ولا يجامل، هو نفسه بكل تجلياتها وتعدياتها ونزقها، حياته مزيج من الاستعلاء على الزوجة والأولاد، وديكتاتور إذا لزم الأمر .
أما مع رؤسائه فهو ليّن إلى درجة تسمح بإعادة تشكيله وفق متطلبات ما يراد له من أدوار، يسمع ويطيع، لا يناقش ولا يجادل، نعم هي الكلمة التي تجري على لسانه أمام من يكبره درجة وظيفية، ولا يسمع له غيرها، إلا في تشهده للصلاة (لولا التشهد كانت لاؤه نعم)!
أما مع الأتباع من مرؤوسين وأقارب ومعارف، فهو شيء آخر، مزيج من الحزم والعزم، يتألف القريب ويدني البعيد، ليس لينا فيعصر ولا قاسياً فيكسر .
هذا النوع من المديرين يقحم القبيلة وأدبياتها في عمله، فيتكئ على هذا العنصر في مسائل الولاء والبراء الإداريين، فابن قبيلته هو السابق لكل ميزة مالية في إدارته، وابن قبيلته له حق العفو والصفح والمداراة .
شكل من أشكال الثقافة يجسدها هذا المدير تستقي من القبيلة وقيمها خارطة طريقه في الحضور والبقاء والسيطرة .
هنا يبدأ نجم هذا المدير بالصعود ويصبح شخصية اجتماعية مرموقة، ففي قبيلته يصبح الصدر مجلسه، والحفاوة تصحبه في حلِّه وترحاله، لماذا؟ لأنه بالمقاييس القبلية أصبح علماً يُشار إليه بالبنان، فربعه وعشيرته هم الأقربون لكل نفحاته الخيّرة، أما الآخرون فهم كمالة عدد في كشوفات الحياة حضوراً وانصرافاً .
شخصية النجم تصبح إطاراً لهذا المدير، فما قدّمه لأبناء قبيلته يجعله كالمبدع أو الفنان كل ما قدّم عملاً متميزاً ينتظر منه الجمهور عملاً لا يقل قيمة عن سابقه، وهكذا تكون حالة هذا المدير، كل تجاوز أخلاقي ونظامي يعلي شأنه داخل مضارب قبيلته لأنه صادر حق مكلوم ضعيف لا ينتمي لفصيلة دمه ولا إلى تراب قبيلته الطاهر .
هذا المدير النجم يصبح في إدارته كالديناصور في أقدميته وتشبثه بالكرسي، فأعماله الخيّرة لأقاربه ومعارفه تزيد ارتباطه بكرسي الإدارة وتجعل فصلهما عن بعضهما عملاً مستحيلاً لا يجرؤ أحد على التفكير فيه .
أما مناشطه اللا إدارية فهي تفعيله للجانب الاجتماعي والإنساني، فجدوله مزدحم بدعوات الولائم خاصة وعامة، والأفراح والأتراح مناسبات قد تصل في عرفه إلى رتبة المقدس والواجب الذي لا يترك، وأعماله الإنسانية الاستباقية تحسب للكرسي والخلود عليه والمحافظة على امتيازاته وميزاته.
التقاعد بالنسبة لهذا المدير النجم هي لحظة فاصلة قاتلة، فهي تعني فقدان كل شيء والانزواء بعيداً عن الأضواء وسكرتها، موتة أولى تتغشاه قبل الموتة الأخيرة، يعيش هاجسها ولا يريدها ولكنها سنّة الحياة التي جرت على من قبله وستجري عليه لا محالة .
المدير النجم بالمقاييس النفسية شخصية مريضة، وبالمقاييس الأخلاقية، منحرف في رؤاه وأفكاره وسلوكه .
نهايته أليمة فما إن يترك الكرسي حتى يصبح أسيراً لأمرين، الأول هاجس الفراغ والبعد عن الأضواء الذي يقتله كل لحظة، والثاني صحوة ضمير قد تكون في النزع الأخير تذكّره أنه قد ظلم أناساً وصادر حقوقهم لا لشيء إلا لأنهم يحملون جينات مستقلة لا تتقاطع مع خارطته الوراثية التي تبدأ بذاته النرجسية وتنتهي بالقبيلة منتهى ولائه وهويته.
- علي المطوع