الشوق كدودة الخشب؛ ينخر القلب، يُحدث ثقوبًا لا تُردم. ومكابرة الشعور وتجاهله أكبر حماقة نرتكبها في حق أنفسنا، حينها تبدأ قشرة القلب -وجدانه- تضعف وتتكسر.
الحياة بالنسبة لي على الأقل لم تكن يومًا سوى أُمنية، أحاول عبثًا تحقيقها؛ هي بمجملها فكرة ما قبل النوم التي أتجرد فيها من ذاتي، لأنساب كالماء الزلال في مشهد طبيعي يكاد يكون خيالًا مادامت يدي لم تمسسه بعد!
تقول صديقتي واصفةً إياه: برودة الشلالات أشبه بزمهرير.
رحتُ أتساءل، لِمَ يبدو دافئًا رغم أن له هالةً باردة يشعر بها السائحون من على بُعد؟ أيُّنا البارد حقًا؟
قبل عامين وربما أكثر بأشهر، حين كنتُ معلمةً للصف السادس الابتدائي.. أجبرتُ نورة وليان على المشاركة في مسابقة للغة الإنجليزية أمام جمهور غفير، يومها طأطأت نورة رأسها لتخفي احتقان ملامحها وتحوُّل لونها للأحمر، وقالت بخشية: لكنني لا أريد!
أما ليان فلا تكاد الدمعة تصل مقلتيها حتى تمسحها بقوة. تجاهلتُ محاولاتهما الرقيقة لاقصائي عن رأيي وصممتُ أذني عن مواساة زميلاتهما التي لا تتعدى وصفي: بالقاسية (دائمًا).
إلى أي حد تمتد ديمومة قسوتي؟ رغم أنني أشعر بالفرح يملأ قلبي حين أكون معهن في حصص الفراغ أقصُّ عليهن حكاية فلسطين المحتلة لتخبرني ليال أنها حكاية مثيرة للدهشة وتردف قائلة: أتدرين يا معلمة، عقلي لا يحوي غير الفرقة الموسيقية (سمّتها) والبقية الباقية فارغة!
الحياة: قضية كل واحد منا منذ اليوم الذي استحالت فيه إلى علامة استفهام تعقب جملة: أيقتصر نصيبي من الحق الذي يتمتع به الجميع على الكتابة عنه بدلاً من الإحساس به. ثم ما تلبث بعد أن تقضي شوطًا من السنين التي تصفها بالعجاف في شوق لتنعم بذلك الشعور المفقود، أن تحدث فجوةً أكثر عُمقًا بينك وبين تلك الأمنية، وكأن مُنى القلب يجب ألا تتحول إلى رجاءات. الصدع الذي يحول بيننا وبين حقوقنا، نملأه بمنح ما فقدناه للآخرين كأضعف إيمان؛ ذلك أنَّ فاقدي الشيء أقدر على منحه باستيفاء!
القبض على حاجاتنا أشبَه بالقفز ضياعًا لإمساك نجمة تُزيّن صدر السماء الرحب، يُخيَّل للواحد منا أنه يقترب أكثر مع كل قفزة، بينما للنجمة الواحدة أيادٍ ممتدة بتضرُّع من على أسطح منازلٍ غارقة في فيض النواقص!
بعد انقضاء مسابقة اللغة الإنجليزية، كان للدهشة نافذة في عيون طالباتي، قالت نورة: كأنها حُلم!
ويمتد سؤالي أيكون لي ظاهر لا يعكس داخلي، أزمهريري أشد أم هو؟
- هياء الزومان
@hayaalzouman