سعود عبدالعزيز الجنيدل
يقول أحد المشايخ لطلابه: «من همز المشايخ فقد همز المشايخ».
هذه المقولة بليغة، وليست كما تبدو من أول وهلة. فتكرار الكلمتين، واختلافهما في المعنى هو فن بلاغي يطلق عليه «الجناس».
وعلى سبيل المثال: تكرار كلمة «همز» في المقولة الآنفة الذكر.
فالشيخ يقول لطلابه: «من همزْ المشايخ فقد همز المشايخ», والحقيقة أن هناك تلاعباً في الألفاظ, وهذا ما يميز لغتنا العربية، والتلاعب هو بتكرار كلمة «همز» مع اختلاف معناها, وهذا ما يطلق عليه البلاغيون فن الجناس, وهو تكرار الكلمة ذاتها مع اختلاف معناها, كما في قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} (55) سورة الروم, فكلمة الساعة الأولى مقصود بها يوم القيامة, والساعة الثانية مقصود بها الوقت الزمني.
والشيخ أراد تعليم طلابه الكتابة السليمة لكلمة «مشايخ» وهي جمع شيخ, لذلك استخدم فن الجناس لتعليمهم هذه القاعدة.
فكلمة «همز» الأولى يقصد بها وضع الهمزة على الكلمة بدلاً من الياء» مشائخ» وكلمة «همز» الثانية يقصد بها العيب والانتقاص, فمعنى العبارة كاملة هو: من وضع الهمزة في كلمة «مشايخ» فقد عاب, وانتقص من المشايخ».
وفي رأيي هذه عبارة جميلة, وبلاغية, ومؤدية للمعنى بصورة كبيرة.
القاعدة في كتابة الهمزة هي:
إذا كانت الكلمة على وزن مفاعل, وكانت مشتملة على حرف علة أصلي, فلا تقلب الياء همزة, مثل: مشايخ, ومكايد, وهما من الفعلين: شاخ, وكاد, ولاحظ هنا أن كلا الكلمتين احتوتا على حرف علة أصلي, وهو الألف. أما إذا كان حرف العلة زائداً مثل صحائف, وقصائد, فتقلب الياء إلى همزة, لأن فعليهما هما: صحَّف, وقصد.
وسُمِع عن العرب كلمات شاذة خالفت القاعدة السابقة, وكما هو معروف في تأصليهم, وتقعيدهم للقواعد, فيقتصر على ما سمع منهم, ولا يقاس عليه, والكلمات اللاتي خالفن القاعدة هن: معائش, ومصائب, ومنائر لأنهن يحتوين على حروف علة أصلية, فالأفعال منهن: عاش, وصوب,و نور, ومع ذلك فقد نطقت به العرب مهموزاً فقالوا: معائش, ومصائب, ومنائر, وكذلك وردت كلمة معايش في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} (10) سورة الأعراف, فقد ورد لها قراءة عند نافع بالهمز.
والحقيقة أنك تجد كلمة «مشايخ» تكتب كثيراً في الصحف اليومية بالهمز, وأتمنى أن نغير هذا الخطأ الشائع, وهذا المقال - إن شاء الله - بداية التغيير.
ولا أخفي عليكم إعجابي الشديد بهذه المقولة, وأيضاً بالطريقة التي اتبعها الشيخ في توصيل المعلومة لطلابه بطريقة جذابة, ولا أظن أنهم سيخطئون في كتابتها بعد هذه المقولة.