د. سليمان بن محمد العيدي
تركي بن عبدالعزيز آل سعود، أفل نجمه، وبقي ذكره، غاب عنا في صباح يوم السبت 12 من صفر، غاب النجم العملاق بينمَا كان الناس يتابعون قبل أيام قلائل من هذا الشهر على الفضائيات وعبر التلسكوت القمر العملاق فوجدتُ أنه أفل النجم العملاق. حقيقة إنه سمو الأمير تركي بن عبدالعزيز آل سعود العملاق في أسرته وبين محبيه، كان عملاقاً في كل شيء حتى أنك لتحتار عندما تريد أن ترثي هذا الشهم من أين تبدأ وما هي كلماتك التي تفي الأمير حقه! لكن يكفي أن تتذكر مع لحظات مغادرته الدنيا إلى رب هو أرحم بنا جميعاً من الأم بولدها تتذكر معها أنه فارس الكلمة الذي عشق القراءة، والبحث، والتقصي، وبيان المعلومة، لمحت ذلك في إحدى زيارتي له في قصر المؤتمرات بجدة حيث البشاشة وحسن الاستقبال والأريحية في ذلك المجلس الأميري المثقف الذي سمح لي بالجلوس شرط أن يكون هناك حوار مفتوح عن أمور عدة جاء في مقدمتها النقد الهادف للإعلام وهل أدى إعلامنا رسالته وما دور الصحافة في المنجزات سألني مباشرة ما دور التلفزيون قال إذا خرجت الكلمة فإنها أنصع من الصورة، فكيف إذا صوت وصورة فاحترمت هذا الذكاء من أمير يحمل ثقافة غير التي يحملها الكثير من مثقفي اليوم وخلال ذلك المجلس تفضل عليَّ أن أقرأ عليه مقالاً في صحيفة الشرق الأوسط لأحد كتاب التاريخ السعودي فتّيقّنت من شمولية الثقافة لدى سمو الأمير تركي بن عبدالعزيز الذي ينُبش في دهاليز التاريخ وماضي هذه الدولة ليقول الحقيقة التي نجهلها نحن جيل اليوم ولذلك زاد الإعجاب بالموسوعة الثقافية للراحل تركي بن عبدالعزيز -رحمه الله- هذا الموقف ربطته بعدة مواقف حصلت معي أثناء عدد من اللقاءات التي جمعتني به عليه -رحمه الله- ومعها أعودُ بالذاكرة لأكتشف كل يوم مختلف عنه من مواقف هذه الشخصية النادرة حباً وذكاءً وكرماً وثقافة واحترام ضيف، لكنني لا أستغرب ذلك فهو شقيق سيدي خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- رجل الإعلام الأول، ورجل التاريخ والثقافة، بل هما من مدرسة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -يرحمه الله- تلكم المدرسة الثرَّة في الحكم والسياسة والثقافة في كل ميادين الحياة.
إنها سطور موجزة أحببت نقل مشاعري فيها عن أمير فقده الوطن بل فقدته الأمة كلها، إنه الأمير ذو الصدر الرحيب في حواراته التي لا يُّمل منها، يقسط فيها بالحق وينحاز إليه حتى ولو خالف رأيه -رحمه الله- رجل الكرم وصديق الضعفاء وصديق الجميع، وقد قلت بداية يصعب كتابة الرثاء حوله! وليس هناك دليل على ما ذكرته من تلك الشلالات المتدفقة على قصر خادم الحرمين الشريفين ومن الوفود التي قدمت العزاء له ولأسرته من الداخل والخارج إلا تأكيد على الحب المكنون في قلب كل من حضر العزاء لفراق هذا الرجل الكريم، إنه تركي بن عبدالعزيز مدرسة الوفاء والحب الذي حرص عليها طوال حياته، وختاماً هي دعوات الجميع بالرحمة لفقيدنا الغالي فقيد الأسرة السعودية كلها وجبر الله مصاب الجميع فيه ومتعَّ الله قيادتنا وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وسمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن سلمان -حفظهم الله جميعاً- وغفر لميتنا وأسكنه في أعالي الجنان.