لا يمكن الحديث عن تجربة رائدة لقطاع تنموي في «بناء الإنسان»، دون أن الاستشهاد بالتجربة الفريدة للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في استثمار الموارد البشرية وتنميتها، وتطويرها، وتأهيلها، وبناء قدراتها، سواء بشكل خاص داخل نطاق المؤسسة الإدارية أو بشكل عام في حقل السياحة والتراث الوطني وما يرتبط به من قطاعات حكومية وخاصة تعنى بفئة كبيرة من المواطنين.
عادة ما تبنى المنظمات العالمية على حزمة من «التقاليد العريقة» والتي تمثل المكون الرئيس لعملياتها الإدارية وأخلاقياتها المهنية ومستوى أداءها وعلاقتها بالآخرين، تلك التقاليد التي كانت وراء ذلك «التفرد» الذي قدم هيئة السياحة كواحدة من «أعرق» المنظمات الحكومية - رغم حداثة تأسيسها - مقارنة بأخرى تفوقها بعشرات السنين. الحديث هنا عن تركيزها على «الاستثمار في الإنسان السعودي» كهدف رئيس، باعتباره العنصر «الأهم» في بناء التنمية السياحية وإدارتها وصاحب الأولوية في الاستفادة من عوائدها، إيماناً منها بأن تطوير أي مجتمع يبدأ من كون الإنسان «أولاً».
أنا على يقين أن هيئة السياحة والتراث الوطني كانت لديها الفرص سانحة لتحقيق مكاسب إعلامية «رمزية»، وأخرى مجتمعية «ذاتية» سريعة تساهم في تعزيز وبناء صورة ذهنية إيجابية لها أمام المجتمع من خلال حزمة من المبادرات والبرامج الآنية أو المؤقتة، دون النظر لاستدامتها أو تأثيرها في منظومة بناء «أفراد المجتمع» وتمكينهم من استثمار قطاعي السياحة والتراث الوطني كمولد اقتصادي يساهم في تأسيس مصادر متنوعة لفرص العمل وقنوات التنمية المختلفة، إلا أن «روح المسئولية» التي اضطلعت بها الهيئة آثرت إلا أن تسير بهذه المنظمة «العريقة» إلى المستقبل وفق منظومة شاملة لإدارة التنمية المحلية بالشراكة مع القطاعات المختلفة، وذلك من خلال مسار «الاستثمار» في الإنسان، و»بناء» قاعدة اقتصادية من رحم المجتمع، وهو خيار صعب وطريق شاق ويحتاج إلى نفس طويل، وصبر، ومثابرة، وإرادة كبيرة، لكنها فلسفة لا تجيدها سوى إدارة محترفة «تعمل من أجل الوطن» .
لطالما كنت أتساءل عن سر اهتمام شريحة كبيرة من المجتمع السعودي بشخصية الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وحرصهم على زيارته لهم، ولقائه، أو استضافته، أو اطلاعه على أعمالهم واهتماماتهم، وربما كنت أعزو ذلك لمكانته الاجتماعية والعملية كأحد رجالات الدولة البارزين.
لكن ثمة بعدا آخر وراء هذه «الشعبية المجتمعية» التي يحظى بها الأمير سلطان بن سلمان -لاسيما من فئة الشباب -يمكن رصده عندما تكون حاضراً لمشاهد من حياته العملية، ستكتشف حينها ما تحمله شخصيته من «روح استثنائية» محفزة، وداعمة، وذات قدرة كبيرة لغرس الأمل والتفاؤل، والإيمان الكبير بقدرة الإنسان السعودي كمواطن مؤهل لقيادة التغيير والتطوير في مسيرة البناء والنماء، مما جعل منه هدف رئيس لمنظومة العمل الداخلية لهيئة السياحة وخارجها، بل إن القريب من أروقتها سيكون على يقين أنها جهاز يعمل على «تنمية الإنسان» كونها الإستراتيجية المثلى لتحقيق كل ما يتطلع إليه «الوطن».
من واقع معاش، أجزم أن صورة واحدة مع الأمير سلطان بن سلمان لم تعد لمجرد الذكرى، بل باتت «نواة» لبناء حزمة من المعنويات لكثير من الشباب السعودي، لمواصلة الطريق نحو أهدافهم، وتحقيق غاياتهم، وآمالهم، وطموحاتهم، إنها ثقافة جديدة في صناعة الذات، وسر من أسرار الحياة العملية المحترفة، تجارب هؤلاء الشباب حبلى بقصص النجاح والمثابرة والانتصار على واقع كان، حكاية البدايات لكثير منهم تحولت إلى سير ملهمة لأجيال قادمة، تثبت أن ثمة شخصيات استثنائية ومؤثرة، قادرة على «بناء مواطن مؤهل لوطن طموح».
م.بدر بن ناصر الحمدان - متخصص في التخطيط والتصميم العمراني وإدارة المدن