شهدت مناطق المملكة في العقود الثلاثة الماضية ظاهرة سلبية تمثّلت في هدم وإزالة العديد من المباني التراثية والتاريخية.
وكانت لجان المباني الآيلة للسقوط تزيل المواقع التراثية الواحد تلو الآخر، دون تنسيق مع أي جهة لعدم وجود جهة معنية بالتراث العمراني، مما أفقد المدن عدداً من المباني التاريخية التي كانت مهيأة للأنشطة السياحية والمتحفية.
ومع قيام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وتكليفها من الدولة بمهام الحفاظ على التراث الوطني فقد سعت إلى استصدار العديد من الأوامر والتعاميم المتعلقة بإيقاف التعدي على المواقع والمباني التراثية والأثرية.
ووضعت المعايير والأنظمة التي تمنع إزالة المباني التراثية، إلا بعد وقوف المختصين من الهيئة عليها، لتحديد مدى أهميتها التراثية والتاريخية والسياحية، ومن هذه التعاميم: تعميم معالي وزير الشؤون البلدية والقروية رقم 22637، وتاريخ 23-4-1422هـ، بتوجيه المختصين في الأمانات والبلديات والمجمعات القروية في كل أنحاء المملكة، بإفادة الهيئة بقرار لجان المباني الآيلة للسقوط قبل الشروع في الإزالة بوقت كاف: للتأكد من أن المباني المطلوب إزالتها ليست من قائمة المواقع المهمة من الناحيتين التراثية والسياحية، وتعميم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية بالنيابة رقم 95-18056 وتاريخ 4-4-1423هـ، بخصوص أهمية المحافظة على التراث العمراني لما يشكله من عنصر جذب سياحي، وأن إزالة ما تبقى منه ستؤدي إلى تفريغ المناطق والمحافظات من تراثها قبل أن تتاح للهيئة فرصة الوقوف عليه وتحديد المهم منه، والتعميم على من يلزم بالتنسيق مع الهيئة، قبل إزالة المباني الآيلة للسقوط، وتعميم صاحب السمو الملكي - ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس إدارة الهيئة - آنذاك - رقم 5947-1 وتاريخ 6-6-1424هـ، وتعميم صاحب السمو الملكي، وزير الداخلية بالنيابة، الإلحاقي رقم 29-52241 وتاريخ 21-6-1424هـ المتضمن التنسيق مع الهيئة قبل تنفيذ أية إزالة لمباني التراث العمراني الآيلة للسقوط، والعمل على تنفيذ برنامج للمحافظة على التراث العمراني وتنميته عمرانياً وسياحياً. وقد التزمت الجهات المعنية بموجب هذه التعاميم بالتنسيق مع الهيئة قبل تنفيذ أية إزالة للمباني التراثية، وهذا ما أسهم في الحفاظ على كثير منها، وحد من عمليات الإزالة العشوائية.
كما صدرت عدد من القرارات والتعاميم، من أجل المحافظة على التراث العمراني والحد من العبث به، مثل: قرار مجلس الوزراء رقم 66 تاريخ (5-3-1430هـ)، الذي يعالج كيفية التصرف في مواقع التراث العمراني، وتعميم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم (86954) تاريخ 10-8-1432هـ، الذي يؤكد عدم «إزالة أي مبنى تراثي، إلا بعد التنسيق مع الهيئة للتأكد من أهميته التاريخية والعمرانية، والإبلاغ عن أية تعديات أو إزالة للمباني التراثية، وقامت الهيئة بمتابعة التزام الجهات المعنية بتطبيق مقتضيات هذه التعاميم، وألزمت في الحالات المحدودة جداً التي وقع فيها تجاوز، الجهات المخالفة بإعادة المباني التي أزيلت إلى سابق وضعها؛ مثل ما حدث في جسر سكة حديد الحجاز بالمدينة المنورة، وبرج النماص بمنطقة عسير.
كما قامت الهيئة بمشاركة لجان إزالة المباني الآيلة للسقوط في تقييم المباني المدرجة على قوائم الإزالة، وتم التمكن من إبقاء النسبة العظمى منها، بعد تطبيق المعايير المعدة للتصنيف، وإزالة مواطن الخطورة على المجاورين والمارة، واقترحت الهيئة إعادة تشكيل لجان المباني الآيلة للسقوط، وإضافة مختصين في الآثار والتراث العمراني إلى عضويتها، وتغيير مسماها إلى لجان معالجة أوضاع المباني الخطرة، وصاحب ذلك عمل لقاءات مع الأهالي والملاّك والمسؤولين؛ لتوعيتهم بأهمية المحافظة على التراث العمراني، وقد أسفرت هذه الجهود عن برامج تبنتها المناطق للمحافظة على التراث العمراني وتنميته في جميع مناطق المملكة، توقف شبه كامل لعمليات الإزالة العشوائية.
وتوجت هذه القرارات بتعميم معالي وزير الشؤون البلدية والقروية المهندس عبد اللطيف آل الشيخ الأسبوع الماضي على الذي أكد فيه على أمانات المناطق بضرورة التنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني عند وضع مشروعات تخطيط المدن والقرى أو توسيعها أو تجميلها أو عند إعداد مخططات المنح، وعدم إقرار مشروعات التخطيط التي فيها أو في نطاقها مواقع آثار أو تراث عمراني إلا بعد أخذ الموافقة من الهيئة، وذلك حسب ما نص في نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني الصادر بالمرسوم الملكي رقم (3-م) وتاريخ 9-1-1436هـ.
وصدر أمر ملكي بمنع التعدي على مواقع ذات الأهمية التراثية، أو المساجد التاريخية ومواقع التاريخ الإسلامي، واكتملت منظومة الأنظمة والجهود المتعلقة بحماية التراث الوطني من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري الذي يمثّل نظاماً متقدماً يحوي تحت مظلته كافة الجهود والمشاريع المتعلّقة بالتراث الحضاري الوطني وقد قدّم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني شكره وتقديره لمعالي وزير الشؤون البلدية والقروية المهندس عبد اللطيف آل الشيخ على صدور تعميم معاليه، مشيراً إلى أن ذلك يأتي في ظل اهتمام سيدي خادم الحرمين الشريفين بحماية التراث الوطني، وفي إطار برنامج خادم الحرمين للعناية بالتراث الحضاري المقر من الدولة والذي يحظى بمتابعة دائمة من مقامه الكريم، وهو المشروع الذي خصص مساراً رئيساً لحماية التراث الوطني، كما يأتي تفعيلاً لنظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني الذي يمثل منظومة متكاملة لحماية التراث الوطني وتوثيقه وتأهيله والاستفادة منه، كما يتسق هذا التوجيه المقدر من معاليه مع التنسيق المستمر والشراكة الفاعلة بين الهيئة والوزارة في عدد من المشروعات.
وأبان سموه أهمية هذا التوجيه في حفظ المواقع الأثرية ومواقع التراث العمراني من التعديات التي قد تتعرض لها من الشركات والمؤسسات التي تنفذ أعمالاً تابعة للأمانات والبلديات في مناطق المملكة، وحماية هذه المواقع الهامة التي تمثّل إرثاً تاريخياً وبعداً حضارياً تعتز به المملكة، ولقيمة هذه المواقع اقتصادياً وتنموياً على المدن والبلدات التي تقع في نطاقها.