د.محمد بن عبدالرحمن البشر
في مجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، تحدث فيه محاضر من سنغافورة عن استشراق المستقبل، وهذا يدخل في إطار الحوكمة التي أصبحت ضرورة في هذا العصر الزاخر بالمتغيرات، والمحاضر اسمه بيتر هال أيان مستشار أول مركز المستقبل الإستراتيجي في سنغافورة، والحقيقة أن ما لفت نظري بشكل كبير، أنه ركز على أننا في عصر العولمة بما يحمله من تعقيدات، وأن التنبؤ الذي يستمد وجوده من التاريخ، والمعطيات المتاحة لم يعد كافياً لبناء سياسات الدول، وأن كسب القدرة على استشراق المستقبل وطرح السيناريوهات المحتملة، ومراجعتها بصورة دورية، أصبحت ضرورة وأكثر فاعلية في السير على التنبؤات، والوقوف عندها، ولهذا أصبح من اللازم أن تكون جميع أركان الحكومة جاهزة ومستعدة لحل المشاكل والاستعداد لخوض التجارب وإدارة المخاطر، في ظل هذا الواقع العالمي الجديد الناجم عن العولمة.
وذكر أن التحديات الكبيرة التي تواجه الدول هي المفاجآت، ولم تكن سنغافورة البلد الذي ينتمي إليها المحاضر بعيدة عن ذلك، وأقول: رغم كونها من أقل الدول إصابة بفيروس المفاجآت.
لقد طرح ما حل بسنغافورة من مفاجآت عالمية أوجدتها العولمة وأثرت على سنغافورة مثل أزمة 1996، وهجوم القاعدة على الولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر، وفيروس سارس الذي أصاب الصين وسنغافورة وأدى إلى انتكاسة اقتصادية كبيرة، وكذلك الأزمة المالية العالمية في عامي 2008-2009، وأضاف أننا نواجه اليوم نتائج الانتخابات الأمريكية وما قد تحمله من معطيات.
وذكر أن نيكولاس نسيم، له وصف شهير للمفاجآت التي يصعب التنبؤ بها والتي تؤدي إلى تداعيات كبيرة، حيث يسميها «البجعة السوداء»، ومن أمثلتها أحداث 11 سبتمبر، وانهيار بنك لوهمان برذرز، الذي شكل أزمة مالية عالمية كبيرة.
وأضاف أن المفاجآت اليوم أصبحت تأتي بشكل أسرع وتيرة، وأكثر تكراراً، نظراً لأن عالمنا متصل جداً، ومعقد للغاية، وطبيعة العالم المعقد تزيد من صعوبة التنبؤ بما سيحدث، لأن غالبية السلوك الذي تتم ملاحظته في الأوضاع المعقدة، هو سلوك عرضي، وغير متوقع، وبالتالي يصعب علينا إيجاد طريقنا في مثل هذا العالم، ومن الضروري أن نكون مجهزين بالأدوات الملائمة، والعقلية المناسبة، لكي نتمكن من النجاة، ومواجهة المفاجآت بشكل أفضل.
وذكر أن أحد الفلاسفة الصينيين قال من آلاف السنين إننا في عالم مترابط، وأقول: إنه ربما يتحدث عن عالمه المحيط به في ذلك الوقت، حيث كانت الصين ممالك ثم إمبراطوريات، وربما أنه كان في عصر الممالك المتناحرة، التي كانت قائمة قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام.
يقول الفيلسوف الدنماركي سولن: إننا ننظر إلى الماضي لمقاربة المستقبل، لأننا دائما ننظر إلى الوراء وتكون الأحداث خلف الأفق، وتفاجئنا عندما لا نتوقعها.
لقد تفاجأنا بأن الشعب البريطاني بنسبة بسيطة قد اختار الخروج من الاتحاد الأوروبي بما يحمله ذلك من تداعيات، وما سيحمله في المستقبل، إن تم الأمر ووافق البرلمان على ذلك، وقدمت الحكومة طلب الخروج، ونرى أننا منذ الإعلان عن ذلك قد رأينا انخفاضا حاداً في سعر الجنيه البريطاني، والحقيقة أن بريطانيا لم تكن مستعدة لذلك لا من الناحية الاقتصادية أو العسكرية.
وقال المحاضر: إنه ليس من الممكن أن نتوقع المستقبل، ولو كان باستطاعتنا ذلك لما كان هناك عاطلون عن العمل.
أذكر أنه قد رد على أحد الذين سألوه أن سنغافورة تضع إستراتيجيات للمفاجآت تتم مراجعتها كل ثلاث سنوات، تحسباً لما سيحدث، للتقليل من أثر تلك المتغيرات المفاجئة. لقد ذكر الكثير من الأدوات وأكتفي بما ذكرت من موضوع أعتبره شيقاً بالنسبة لي، وقد يكون غير ذلك لغيري.