اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
هناك من أصحاب النوايا الحسنة من ينزلق في مزالق سوء استخدام الكلمة، متعاطياً مع بعض الحقائق تعاطياً يقصد منه الشيء ويقع في نقيضه، فالوطنية التي يتغنّى بها، يطعنها في مقتل بالجناية عليها تارة والتجني عليها تارةً أخرى، والمسؤولية التي يدعي الشعور بها هو أول من يتنصل عنها، بسبب الفهم الخاطئ لها، والمصلحة العامة التي يتبنّى الدفاع عنها يُسيء إليها، والسبب وراء كل ذلك هو التغريد خارج السرب والتأخر عن الركب، وما ترتب على هذا الأمر من غياب الحس الوطني والوعي الأمني، هذا الغياب الذي أدى إلى الوقوع في فخ التحريض بدلاً من الوصول إلى الهدف عن طريق التعريض.
والإثارة عبر الكلمة تعتبر شكلاً من أشكال التحريض بصرف النظر عن طبيعة هذا التحريض وهدفه والجهة التي يستهدفها، حيث إن الإثارة تُضخم الأمور وتعطيها حجما أكبر من حجمها إلى الحد الذي يخرجها عن سياقها الهادف إلى سياق آخر، تختلط فيه الإثارة والتحريض على نحو يفتح الباب للتخرصات والتفسيرات، دون أن يُدرك هؤلاء القوم أن الكلمة التي تقال بدون ترو ترتدّ على قائلها، ويكون لها تأثير أقوى من تأثير السلاح إذا ما تلقفها الاعداء واستغلها الخصوم عبر وسائل الإعلام، متخذين منها أداة لكيل الاتهامات وتوثيق الإدانات، ومادة للتندر والتهكم.
وحتى لا يكون الخطأ مأثوراً والصح مهجوراً، ويُترك المجال مفتوحاً أمام المحرضين والمخذلين والمشككين لتشويه الحقائق والترويج للباطل فإن الرد المناسب على ذلك هو عبر سلسلة من الإنجازات والنجاحات على صعيد المشاريع التنموية والبرامج الوطنية، وخاصة تلك التي تدخل في إطار اهتمام المواطن وتلامس شئون حياته، وترفع من معنوياته وفي مقدمتها رفع مستوى المعيشة، وإيجاد فرص العمل والإسكان والحد من غلاء الأسعار، وذلك في حدود ضوابط ترشيد الصرف الحكومي والسيطرة على الاستهلاك الشعبي، وضمن قيود الإصلاح الاقتصادي وبرامج التحول الوطني، وأهم آيات النجاح وعلامات الإنجاز هي محاربة الفساد لأن من أصلح فاسده، أغاظ حاسده، وأخرس ناقده، وعندئذ يتم قطع الطريق على أصحاب الأهواء ودعاة الاغواء ويصبح المواطن الصالح في حالة معنوية تخدم الحالة الأمنية.
ومسؤولية تحقيق أمن المجتمع ووضع الأمور في إطارها الوطني الصحيح وسياقها الأمني المريح يتحمل المجتمع جزءاً من ذلك والجزء الأكبر يقع على عاتق السلطة، فالمجتمع يعلم أن أمنه مرهون بانضباط أفراده والالتفاف حول القيادة، والسلطة بالمقابل يتأكد لها أن الأمن الاجتماعي هو الضامن لاستقرار الوطن وإدامة نهضته التنموية وحماية أمنه من الداخل، فضلا عن دور هذا البعد الفاعل في تمكين البعد العسكري من التصدي للخطر القادم من الخارج، وذلك بفضل ما يوفره هذا البعد الاجتماعي من الأمن الذي ترعاه الدولة وتتعهده باستمرار، ويجد المواطن في كنفه حقوقه المشروعة المتمثلة في صيانة الحرمات وتأمين المعيشة والعمل والتعليم والسكن والرعاية الصحية، وقبل هذا وبعده يجد الطمأنينة التي لا يتسرب إليها الخوف ولا تجد منغصات الأمن إليها سبيلاً.
وتأسيساً على ذلك فإن تحقيق الأمن الوطني ينبغى أن يؤسس على آلية تعتمد على الداخل في كل شئون الوطن وشجونه مع نبذ التفكير الذي يجنح إلى اعتبار آلية البناء قادمة من الخارج، ومن ثم يكون التعامل مع الداخل يتأرجح بين التجاهل والتضييق، إذ إن الاسلوب الأول بقدر ما يضمن بناء الأمن الوطني والقومي بقدر ما يهدف إلى حمايته واستمراره من قِبَل المواطن المنتمي الذي يشعر بوجوده وقيمته في المعادلة الوطنية، ويتوفر له الأمن والأمان على حياته وحياة من يعول في الحاضر والمستقبل في حين أن الأسلوب الثاني يدفع هذا المواطن إلى السلبية التي تفضي به إلى الانهزامية وعدم المبالاة، منشغلاً بذاته عن التضحية في سبيل انتماءاته. والمملكة وهي تسعى جاهدة لتعهد البعد الاجتماعي من أمنها الوطني وتعزيز الأمن الوطني بأبعاده المختلفة وفقاً لمعناه الشامل ومفهومه الواسع، فإن مركزها الديني وثقلها الاقتصادي ووزنها السياسي وموقعها الاستراتيجي وحضورها القيادي ومكانتها في محيطها العربي والإسلامي كل ذلك يفرض عليها مسؤوليات جساما ويتطلب منها مهام عظاما ويجعلها حريصة أشد الحرص على الربط بين أمنها الوطني وأمنها القومي وأن تكون من أول المدافعين عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية والداعين إلى تّبني مشروع عربي إسلامي لحماية العقيدة والمقدسات ونصرة أهل السنة وذلك بالوقوف في وجه قوى الشر والاستكبار، وبالتحديد المشروع الصفوي الطائفي والعنف الإرهابي وكل من يناصر دعاة الطائفية ورعاة الإرهاب وأدواته من الشرق والغرب.