ماجدة السويِّح
التخمة من الأخبار أحدث أمراض العصر الحديث بعد تفشي العديد من الأمراض الجسدية والنفسية المصاحبة لهضم الأخبار، حيث يستهلك الفرد كمية مهولة من الأخبار اليومية عبر وسائل الإعلام المختلفة، التي تستهلك طاقة الإنسان وصحته مع وفرة الموارد الإخبارية عبر الهواتف الذكية التي سهلت ابتلاع كميات غير محددة من الأخبار والسموم في كل الأوقات قبل النوم وبعد الاستيقاظ مباشرة.
الحمية والامتناع عن استهلاك الأخبار اليومية نمط صحي حديث نادى به أطباء علم النفس والمهتمين بالمجال الإعلامي في المجتمع الأمريكي بعد تنامي الاستهلاك المفرط للأخبار دون تفكير بالعواقب الصحية والنفسية المصاحبة للمفتونين بمتابعة الأخبار.
الامتناع عن قراءة أو مشاهدة الأخبار تحد كبير خاضه «جويل غاسكوين» وهو مؤسس لشركة تعني بنشر المحتوى المتخصص على الشبكات الاجتماعية عام 2012، حيث توقف لمدة سنتين عن متابعة الأخبار اليومية الرئيسية على الصحف والإنترنت، فما الذي تغير بعد خوضه التجربة؟ عرض تجربته مؤخراً على تويتر والفيس بوك وخلق مساحة للحوار بعد نقل تجربته لمتابعيه «أشعر بسعادة بسبب قراري وهو أكبر إنجازاتي، وأصبحت أكثر إنتاجية في حياتي».
يذكر غاسكوين أن نسبة الأخبار السيئة مقابل الأخبار الجيدة هي حوالي 1:17 وهذا يعني أن 95 % من الأخبار التي نتعرض لها سلبية، فأخبار الحروب والكوارث والحوادث وما تحويه من بشاعة في نشر التفاصيل لا تزيد المتصفح سوى الشعور بالرعب والقلق من الواقع الذي نعيش فيه.
يشبه غاسكوين استهلاكنا للأخبار باستهلاك الوجبات السريعة الضارة، فمشاهدة فوكس نيوز لمدة 31 يوماً، يعادل ضرراستهلاك مكادونالدز لمدة 31 يوماً. الأخبار السريعة هي في الواقع طعام سريع يلوث أجسامنا بالسموم كما تفعل المأكولات السريعة، لأننا نستهلك الأخبار السيئة غير الصحية.
غالبية الأخبار تقوم على إثارة الذعر من أجل إثارة المشاعر وحصد الاهتمام. وفقاً لعلماء النفس التعرض لوسائل الإعلام السلبية العنيفة قد يكون له آثار نفسية خطيرة وطويلة الأمد في ارتفاع معدل القلق، التشاؤم، والاكتئاب والاضطرابات النفسية، حيث تؤثر الأخبار السيئة على مزاجك وكيفية التفاعل مع الأحداث المحيطة بك. كل هذا يجعلنا أكثر خوفا وحزنا وترقباً للأسوأ، من خلال تغيير طريقتنا في النظر للأشياء من حولنا.
وبحسب دراسة حديثة أن كثرة التعرض للصور والأخبار دون فلترة مقلقة عاطفياً لكثير من الصحفيين الذين يعملون في غرف الأخبار، فالصحفيون الذين تعرضوا بشكل منتظم لمشاهد أو صور عنيفة سجلوا مؤشرا أعلى لاضطراب ما بعد الصدمة، كالقلق، والاكتئاب واستهلاك الكحول.
اليوم تلاشت الفروق بين المواطن والصحفي وأصبح المواطن هو المنتج والمستهلك في ذات الوقت، يحمل غرفة الأخبار في جيبه يعيش فيها من خلال برامج التواصل الاجتماعي ويستهلك الأخبار دون فلترة، مما ضاعف من المعاناة والاضطرابات النفسية.
الصحفي الذي يبحث عن الأخبار وينتجها يؤدي واجبه لكسب رزقه، فهو يتقاضى بدلاً عن طبيعة العمل وخطورته، بالمقابل المواطن الصحفي أو المفتون بالمتابعة لن يتقاضى سوى الضغط والسكري، والاضطرابات النفسية نظير جهوده في ملاحقة الأخبار يومياً.
أخيراً: هل حان الوقت للبدء بحمية للتخلص من متابعة باعة القلق والكآبة اليومية، والتخلص من السموم التي تلوث عقولنا وأجسادنا؟!