د.علي القرني
في المنتدى الخليجي الذي نظمه معهد التنمية السياسية بالبحرين الأسبوع الماضي، كان محور النقاش عن الهوية الخليجية، وتحديداً دور مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهناك مشاركون عديدون وفي مقدمتهم رئيس مجلس إدارة هيئة الصحافيين السعوديين رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد المالك ومعه كوكبة من الوزراء والإعلاميين ونخب ثقافية من منطقة الخليج. وقد سعدت بحضور هذه المناسبة التي بدات ترسخ لتقاليد مهمة في منظومة العمل الإعلامي الخليجي.
وفي هذا المنتدى وغيره من المناسبات والمنتديات واللقاءات يعود إلينا سؤال مكرر ونواجهه دائماً عن دور مجلس التعاون، وهل حقق هذا المجلس دوره في تعزيز الهوية والوحدة الخليجية؟.. وعادة يتم كيل الكثير من النقد للمجلس وأنه عجز عن تلبية احتياجات المواطن الخليجي، ونضيف إلى ذلك كثيراً من المقالات التي تنشر والحوارات التي تبث في قنوات خليجية وعربية عن الحديث لدرجة الإخفاق في المجلس عن تبني دوره المتوقع والمأمول. ومنذ حوالي أربعة وثلاثين عاماً وهو عمر تأسيس المجلس ونحن نسمع للكثير من هذه التداولات السلبية عن المجلس، رغم بقائه ثابتاً على مر أحداث كبرى عصفت بالمنطقة وأثرت في خرائطها الفكرية والسياسية والمجتمعية.
ومداخلتي هنا في هذا الموضوع ستكون مختلفة عن هذا الكم الكبير من المداخلات السلبية التي تنتقد وضعية المجلس على مر العقود الماضية، وتختلف كذلك عن مداخلات المدافعين عن المجلس وخاصة من الشخصيات الرسمية التي توالت على المجلس في دوراته المختلفة. فسؤالي المحوري في هذا الخصوص هو عكس السؤال التقليدي المعتاد الذي تعودنا عليه في نقاشاتنا وهو ماذا قدم المجلس لمواطني المجلس؟.. فهذا السؤال يحتوي على كل التقليدية التي يتسم بها الفكر التقليدي المعتاد في تناول موضوعات تقييم أدوار المجالس والإدارات والمؤسسات. وسؤالي الذي أريد أن يكون محور نقاشي هنا ونقاش الهوية الخليجية ودور مجلس التعاون، هو: ماذا يعني غياب المجلس في المشهد الخليجي العربي؟.. وسؤالي يطرح فكرة أن نتخيل لو أننا ومنذ أربعة وثلاثين عاماً نعيش في غياب أي تنظيم خليجي مثل المجلس الحالي؟.. ماذا يمكن أن نكون عليه؟.
وللتوضيح أورد حالة إعلامية توضح مغزى هذا السؤال.. في الأربعينيات الميلادية من القرن الماضي كانت دراسات الإعلام تركز على سؤال ماذا تعني لك الصحيفة؟ وماذا تعني لك الإذاعة؟ وفي عقود تالية ماذا يعني لك التلفزيون؟ وكانت هذه الأسئلة تتكرر في النصف الأول من القرن العشرين ثم أيضاً في النصف الثاني من القرن العشرين. ولكن في أحد الصباحات في مدينة نيويورك في 30 يونيو 1945م من القرن الماضي غابت جميع الصحف عن الصدور بفعل إضرابات عمالية في شركات التوزيع منعت الصحف من الصدور واستمرت لنحو أسبوعين، وغابت الصحف التي اعتادها القراء الأمريكيون عن الظهور في سابقة مؤثرة على حياة الناس في ذلك العهد. وهذا ما دعا أحد الباحثين أن يعد دراسة عن هذا الخصوص، وهو برنارد بيلرسون، ويعد أحد أعلام الدراسات الإعلامية وروادها الكلاسيكيين. وقد قام بيرلسون بدراسة مسحية خلال فترة التوقف، مستثمراً كذلك استطلاعات رأي لشركتين عن نفس الموضوع.
وكان الاستطلاعان المثبتان في هذه الدراسة معنيين بسؤال ماذا فقدت من مطالعتك للصحف بعد توقفها، في حين كان تركيز دراسة بيرلسون على ناحية أخرى لها علاقة بغياب الصحف وما هي التأثيرات الاجتماعية والنفسية على عملية الغياب.. وهنا لا أريد التفصيل في هذه الدراسة، لكن أردت استحضارها في هذا المقال لتأكيد أهمية مشروعية السؤال الذي نطرحه عن مجلس التعاون الخليجي: ماذا يعني لنا غياب وجود تنظيم يربط بين دول المجلس؟.. بمعنى هل لنا أن نتخيل المشهد الخليجي بدون تأسيس مجلس التعاون الخليجي؟.
يتبع،،،