أحمد محمد الطويان
ما نقوم به في حاضرنا هو صناعة ماضينا، نعم.. نحن نصنع ماضينا الذي سنتذكره غداً، كما أننا نهيئ الوسائل للنجاح في مستقبلنا، ولكن في الحقيقة نحن لا نصنع مستقبلنا، لأن الصناعة ليست مرحلة واحدة، بل عدد من الخطوات والمراحل حتى يخرج المنتج بصورته النهائية، وما إن ينتهي العمل ويخرج الإنجاز يصبح ماضياً، ونفكر مرة أخرى بالمستقبل، ونستذكر الماضي الذي انشغلنا بصناعته.
آلامنا وأحلامنا وما نقوم به الآن هو ماضينا «الجميل» وعلينا أن نحرص على ذكرياتنا لتبقى جميلة وملهمة لأنها وقود حاضرنا الذي نعيشه، ومن دون صناعة الماضي الملهم لن نعمل من أجل المستقبل.
التغيير الإيجابي جزء من منظومة صناعة الماضي، ومن يقاومون التغيير يحدثون شرخاً في قانون التطور البشري، هؤلاء الذين استيقظوا متأخراً واكتشفوا أن ماضيهم متواضع، ولم يحصلوا منه على إنجاز يستر عوراتهم العلمية والعملية، وعلموا بأنهم لا يملكون مستقبلاً لا يفهمون لغته ولا يتقنون فنونه، لذا هم فاقدون لأدواته.. هؤلاء وهم قلة اختاروا المقاومة، هم تماماً مثل من يقذف الحجارة على المدرعة المجنزرة، المدججة بالبارود والنيران، يأساً وبؤساً وليس من باب التحدي أو الانتصار لعقيدة تستحق الدفاع عنها.
مقاومة التغيير هو ما نراه في كثير من مؤسساتنا اليوم، ومن أشخاص اعتادوا على حال ولن يقبلوا بسهولة أن يخسروا ما كسبوه.. وبسبب هؤلاء تحوّلت المؤسسات إلى مراكز خدمة لموظفيها وليست مؤسسات ذات أهداف واضحة لخدمة المجتمع ولتحقيق ما أنشئت من أجله.. الكائن البيروقراطي متمرد على الزمن، فلا يعرف الفرق بين الساعة ذات الدقائق الستين والشهر بأيامه الثلاثين، كما لا يستشعر خطر التخلّف والتأخر، ويعتقد بأنه على حق وأنه ضحية ظلم من لا يقدرون أعماله الجليلة... لا يمكنك تغيير البشر، خصوصاً من يتجاوز الستين، ولكن يمكن تغيير النظام «السيستم» وبالتالي سيتغير كل شيء. على المستوى الإداري، نحتاج إلى إعادة هندسة الإدارة في كثير من مؤسساتنا، وأن يطمئن مقاومو التغيير وإن لم يستجيبوا على صانع القرار إبعادهم عن المسار التنموي، فلا مجال للإنجاز في ظل معطلات ومكبلات من أشخاص انشغلوا بالتنظير واختراع الأعذار والتبرير.
هؤلاء لم يصنعوا ماضياً يشفع لهم ولن يفكروا بحاضر يصنع ماضيهم في الغد، ولم ينشغلوا بالعمل للمستقبل.. هؤلاء فكروا بمكتسبات مادية ومعنوية تتعلَّق بمواقعهم التي لا تتعدى القيادة الوسطى في الغالب، ولكنهم جعلوها ممالك لنفوذهم، ومراكز لسطوتهم، التغلب على هؤلاء الذين يستهزئون من أحلامنا ويقلّلون من أفكارنا، ويطمسون الألوان الزاهية من لوحات إبداعنا يجب أن يواجهوا بكل حزم، وأن ينشغلوا بأنفسهم بعيداً عن المؤسسة العامة ومن لديهم الدافع والرغبة للإنجاز.
هؤلاء المعطلون لو صنعوا ماضيهم مثلما فعل جيل قبلهم، لعرفوا معنى إتاحة الفرصة، والاحتفاء بالتجديد.. ولكنهم مجموعات جاهلة جاءت بين جيلين ولم تعرف مكانها، وهنا لا أعمم لأن أعداد مقاومي التجديد التنموي والتطوير الإداري قليل، ولكن محاصرة تمدد العدوى مهم، فالإحباط الوظيفي يصنعه أمثال هؤلاء.. اصنعوا ماضيكم واستعدوا لمستقبلكم بالاجتهاد في حاضركم، وتذكروا قصص النجاح واتركوا نماذج الفشل.