د. فوزية البكر
ضمن فعاليات الملتقى الوطني للوقاية من الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت الذي عقد بمدينة الرياض يوم الثلاثاء الماضي بتاريخ 16 نوفمبر 2016 تم تقديم الكثير من الأوراق المهمة التي تحاول توضيح طرق الاستغلال الجنسي للأطفال منها ورقة اللواء الغامدي حول سبل الوقاية من استغلال الأطفال جنسيًا عبر الإنترنت كما قدم الاستاذ الموكلي رئيس وحدة الدراسات بوزارة الداخلية تحليلاً لخطورة ما يعرف اليوم بالدارك ويب أو الشبكات المظلمة وخطورة إهمال استخدام الأطفال لها وطرق الوقاية من ذلك.
وفي حين يبدو المجال البحثي في هذه القضايا فقيرًا جدًا نظرًا لشح المعلومات المتوافرة وحساسيتها الشخصية والوطنية يتمتع العاملون في القطاعات الأمنية ذات العلاقة بميزة إمكانية الوصول إلى معلومات قد لا تتوافر لغيرهم وهو ما يحملهم مسؤولية كبيرة لمحاولة الوصول إلى الناس وتنبيه الأطفال والمراهقين وأولياء أمورهم والقائمين على مؤسسات التربية والتعليم ومؤسسات العبادة بخطورة هذه الظواهر وأنها فعلاً موجودة وممارسة مهما أنكرنا ذلك فشكرًا لهم على جهودهم الطيبة.
نأتي الآن إلى الشق العلمي في الموضوع تأكيدًا لأهمية إيصال الرسالة الجليلة في التنبيه إلى خطورة هذه الممارسات (المظلمة) وذلك عبر طرح أسئلة من الضرورة تناولها كالآتي:
- إن الأمر الملاحظ أن الكثير من الآباء يجهلون الطرق الفنية المتقدمة التي يستخدمها أبناؤهم عند استخدام معرفات البحث المختلفة أي أن الأبناء متقدمون تقنيًا بمسافات ضوئية عن آبائهم ومعلميهم ولسد هذه الفجوة لا بد من تدريب الآباء والمعلمين للتعامل مع ذات المواد التي قد تقع بين أيادي أطفالهم وهنا فقط سيشعرون بالخزي والحرج والقلق ولن يناموا إلا وقد تأكَّدوا من إطفاء شبكة النت قبل أن يخلدوا إلى النوم حماية لأبنائهم من هذا السيل الإنترنتي الذي طفحت به بيوتنا من سوء واستمرار وطول الاستخدام غير المقنن.
- إذا كانت مساحة الدارك ويب أو الديب وب على الإنترنت كما ذكرت الدراسات الآنفة الذكر تمثل أكثر من 96 في المائة من مساحة المواد الموجودة على فضاء الإنترنت فهذا يعني بالضرورة أن نسبة عالية جدًا من مستخدمي الإنترنت في العالم يدخلون إلى الديب أو الدارك ويب. بالطبع هناك فرق بين الزيارة للمواقع وبين الاستخدام لمحتويات هذه المواقع والتواصل معها. إذا افترضنا أن هناك بلايين من الناس تستخدم هذه المواقع عبر العالم فداعش ستتمكن من التواصل مع القليل منهم فقط وأقل القليل هو من سيستجيب لها بسبب تهيئة ذهنية وبيئية ومدرسية.
المقصود هو الآتي: الجيل الجديد يفهم في الإنترنت والمواقع أكثر منا بكثير وأبناؤنا يلجأون إلى الإنترنت في كل شيء الآن بدءًا بشراء وجبة وانتهاء بمعرفة آثار مشروبات الطاقة.. أي أن هؤلاء الأطفال والمراهقين لديهم القدرة على الوصول إلى الإنترنت وتحري دقة المعلومة المعطاة ومن ثم فإن سياسية التهويل والتضخيم التي استخدمت في المؤسسات الحكومية المختلفة مثلاً للتوعية بالمخدرات وللتوعية بالتطرف لم تزد الوضع إلا سوءًا فلم يتعظ الكثير ولم توجد أصلاً دراسات تتبعية لآثار تلك البرامج على المجتمعات المحلية التي أقيمت فيها ومن ثم فعلاً لا يمكن تقييم فاعليتها العلمية وآثارها التطبيقية.
القصد أن تضخيم الخطر لا يجعل المراهق أو الشاب يرتدع عن زيارة بيئة الإنترنت المظلمة بل كل ما يفعله أمام سيل الحقائق المتدفقة وغير الدقيقة علميًا هو: السخرية من جيل الآباء الذي يضخم المخاطر ظنًا بأنها الوقاية في حين تبدو للجيل الجديد جهلاً عميقًا بواقع المشكلة وبما يجري فعليًا على أرض الواقع.
أرض الواقع يقول: إن أكثر بمئات، بل ربما آلاف المرات من (15 ألف طفل ومراهق سعودي كما ذكر في إحدى الدراسات المقدمة) يزورون الدارك ويب لأنها للأسف تمثل أكثر من 96 في المائة من محتويات الإنترنت، كما أن الدراسات تشير إلى أن أكثر محركات البحث في جوجل نفسها هي للبحث عن أفلام بورنو (إباحية) وأن الشباب (عبر العالم وليس في السعودية فقط) يشاهدون بالمعدل ساعة إباحية كل أسبوع!
ماذا علينا أن نفعل لمواجهة ذلك؟ الصدق ثم الصدق ثم الحديث بانفتاح عن كل هذه الحقائق مع الأبناء أنفسهم ومحاولة إيجاد سبل لضم الأبناء وخصوصًا الذكور (الذين يفصلون في مجتمعنا السعودي قصرًا عند البلوغ عن عالم أسرهم) لإيجاد أرضية مشتركة عبر النشاطات المنزلية والاجتماعية والترفيهية المشتركة الطبيعية وبعيدًا عن الإنترنت والغرف المغلقة.
على الآباء أن يتحركوا ويتركوا جولاتهم وحواسبهم الآلية ويلتفتوا لعائلتهم فالدور ليس فقط على الأم بل على الأبوين معًا ومهما أحب أطفالنا الآيسكريم مثلاً فلن نتركهم يتناولونه طوال اليوم وإلا أصيبوا بالإسهال وهذا ما يجب أن نفعله مع استخدام الإنترنت: الحد منه مثل ما تفعل أسر العالم كله والعودة إلى الطبيعة، إلى البر، إلى كشتات الأصدقاء والاستمتاع بمراحل نمو أطفالنا ومراهقتهم وشبابهم إِذ سيغادروننا يومًا لبناء أسرهم وسنتمنى هذه اللحظات معهم فلماذا نتركها وهي بين أيدينا الآن؟ يومكم أمان ومحبة.