عروبة المنيف
بقدر المزايا العديدة للتطور التقني وللشبكة العنكبوتية بقدر كوارث تلك الشبكة وقدرتها على نصب الأفخاخ وبالأخص لفلذات أكبادنا ما يعيق نموهم وسلامتهم، فالاحتياط من تلك الشبكة الخطيرة أصبح ضرورة حتمية في ظل تفاقم مخاطرها بدءاً من الإرهاب مروراً بالاستغلال الجنسي للأطفال ولا ندري نهاية تلك الشبكات ومخاطرها وخصوصاً «الشبكات المظلمة» التي لا يعرف ما هي نهاية دهاليزها المعتمة.
من منطلق استشعار الخطر المحيط بأطفالنا، بادرت وزارة الداخلية مؤخراً بعقد «الملتقى الوطني للوقاية من الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت»، والذي عكس الاهتمام الدولي بتلك القضية الخطيرة وبتداعياتها الحالية والمستقبلية على الأجيال، لقد شارك «الإنتربول» الذي ساهم في القبض على مجرمي الشبكات مستغلي الأطفال في غالبية الحالات المُبلَّغ عنها، فجريمة «الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت» غير محصورة في دولة معينة فلا يشترط توافر الجاني والضحية في مكان واحد، فقد يكون الجاني في بلد والطفل الضحية في بلد آخر.
يُقصد باستغلال الطفل جنسياً عن طريق الإنترنت «التواصل غير المباشر مع الأطفال الضحايا بواسطة الإنترنت من قبل البالغين بهدف الاستغلال والإشباع الجنسي والربح المادي أو كليهما»، وتُعتبر جريمة استغلال الأطفال جنسياً عبر الإنترنت جريمة مركبة تستغل فيها الشبكة العنكبوتية وتسخّر المهارة والمعرفة التقنية لأهداف خبيثة، ويسلك الجاني أفعالاً متعددة كالاستدراج والاصطياد والتحريض ودفع الأطفال تجاه الأفعال الشاذة وعرض الأفلام الجنسية والتصوير سواء كان الجاني هو من يصوّر أو يدع الطفل يصوّر نفسه وكذلك تحميل وإعادة نشر المادة المصورة عن الأطفال والتي تشير للاستغلال الجنسي أو تؤدي إليه.
حرصت المملكة على وضع أنظمة داخلية لحماية الطفل مثل نظام مكافحة الإيذاء ونظام حماية الطفل وقانون الجرائم المعلوماتية، ولكن تلك القضية لها تداعياتها على الأمن القومي ما يتطلب سنّ «قانون محدد» لتجريم «الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت» بالإضافة إلى أهمية وجود «نص قانوني دولي» يُجرِّم الفعل ويُهيئ السبل الدولية لاصطياد أولئك المجرمين ويحيلهم للمحاكمة، فالجريمة دولية والمسؤولية دولية، والتعاون والتنسيق الدولي أمر مفصلي، فلا حدود جغرافية للإنترنت.
إن الوصول للأطفال من قِبل مجرمي الشبكات العنكبوتية، وارد في أي زمان ومكان فلا تكاد تخلو أيدي أطفالنا من الهواتف الذكية، فالدور الوقائي يقع على عاتق جميع أطياف المجتمع، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات، وتشير معظم الدراسات إلى أن جرائم استدراج الأطفال عن طريق الإنترنت تتم عبر المحادثات والبريد الإلكتروني والألعاب الإلكترونية وشبكات التواصل، فتوعية الطفل وأسرته بكيفية الاستخدام الآمن للإنترنت هي الانطلاقة، وتعليم الطفل رباعية الحماية من التحرش الجنسي بالأطفال كشعار توعوي يساهم في توعيته بمخاطر الإنترنت أمر ضروري، وتشمل الرباعية أوامر أربعة موجهة للطفل وهي: اعرف - ارفض - اهرب - اخبر.. وندعو الله أن يحمي أبناءنا من مخاطر التقنية وتداعياتها السلبية.