اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
إن البعد الاجتماعي للأمن الوطني والقومي يجب ألا يقتصر النظر إليه على المعنى الضيق كالحد من الجريمة والانحراف وما في حكمها، وإنما يلزم النظر إليه بمعناه الواسع الذي ينبثق من المجتمع واحتياجات أفراده المادية والمعنوية، بالشكل الذي يؤدي إلى تحقيقها والاهتمام بها مع الأخذ في الحسبان أن الاهتمام بالداخل لا يعني الصراع معه كما يعتقد البعض، بل يعني ذلك تلبية الاحتياجات الأساسية لأفراده وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع أفراد المجتمع وحصول كل منهم على حقوقه إذا ما أدى ما عليه من واجبات واستحقاقات مع مراعاة القدرات والكفاءات عند التوظيف لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
وفي ظل الفتن التي تعصف بالمنطقة العربية والحروب التي تثور من وقت إلى آخر في أكثر من مكان، فإن الأمن الاجتماعي هو المحضن الذي يحتضن أبعاد الأمن الوطني بالنسبة للدولة، والقومي على مستوى الأمة، وهو صمام الأمان الذي يحفظ الوطن من تقلبات الزمان ويجعله مستعداً لمواجهة أي عدوان.
ونظراً لتفاقم الفتن وتعاظم المحن، وعلى ضوء ما يحاك للأمة من مكائد، وينصب لها من مصائد، فإن ما كان قابلاً للتغافل، وبالإمكان غض الطرف عنه سابقاً لم يعد ذلك ممكناً في هذه المرحلة الحرجة التي تكالب فيها الأعداء على الأمة، وضاقت حولها دائرة الخطر، حيث برزت إلى العلن دول حاقدة وأنظمة باطنية ومليشيات طائفية وتنظيمات إرهابية استغلت وجود الإرهاب المزروع والعدو المصنوع، وانتهزت فرصة تخاذل الأمة العربية وتشرذمها لتعيث فساداً في عدد من أقطار هذه الأمة، ممعنة في القتل والتجويع والحصار والتهجير والتدمير.
ومما يضاعف من مرارة ما يحدث ويزيد من آلامه إن أي قطر عربي بمفرده، يصعب عليه المحافظة على أمنه الوطني في غياب الأمن القومي للأمة العربية الذي أصبح تحقيقه ضرباً من الخيال، خاصة وأن بعض الأنظمة العربية والتنظيمات الدائرة في فلكها لا تجد غضاضة، ولا تخجل من أن تتخذ من الخصم المبين والعدو اللدود صديقاً حميماً إلى الدرجة التي أصبحت فيها القلوب غُلفاً، والآذان صُماً والأعُين عُمياً عن كل ما يقترفه هذا العدو الذي يعمل جهده للإيقاع بالجميع، كما هو الحال بالنسبة للنظام الإيراني الذي يتبجح باحتلال العواصم واقتراف المآثم.
وإذا كان الخير في طيات الشر فإن هذا الواقع المؤلم زاد المملكة عزماً وتصميماً لتتوسع في مجالات اهتماماتها الأمنية، مضيفة إلى اهتمامها بأمنها الداخلي والخارجي الاهتمام بعمقها العربي وظهيرها الإسلامي مع عمل كل ما من شأنه إتمام وتفعيل الدوائر الانتمائية بأبعادها الدينية والوطنية والقومية، حيث إن الانتماء الوطني يستمد قوته من الانتماءين القومي والديني، كما أن الأبعاد الأمنية في محيطها الوطني والقومي تستمد هي الأخرى قوتها الدافعة وفضائلها الجامعة وقيمها النافعة من الانتماء الديني الجامع المانع.
وتحقيق الأمن الوطني بأبعاده العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية وغيرها، يعتمد على الأمن الاجتماعي الذي تتمحور حوله هذه الأبعاد، مشكلاً الأرضية الصلبة التي تنطلق منها، والنقطة المرجعية التي ترجع إليها، وانطلاقاً من هذا المفهوم فإن الأمن الذي ينعم به المجتمع في بلادنا تحقق بفضل عقيدته الدينية ودستوره الإلهي والتزام أفراده، وتعاون الجميع مع القيادة، علاوة على ما يتمتع به هذا المجتمع من وحدة شعور وحس انتمائي ووعي أمني وروح وطنية عالية، تترب عليها تماسك الجبهة الداخلية ومتانة اللحمة الاجتماعية، وامتزاج روابط الانتماء التلقائي بروابط الانتماء بالانتساب تحت مظلة الانتماءين الوطني والديني.
وهذا الإنجاز الأمني العظيم الذي تعاقب على إنجازه خلف عن سلف وجيل بعد آخر، ونما وتطور عبر عقود زمنية يتعين المحافظة عليه وعدم المساس به، نتيجة لكلمة يغرد بها مغرد، أو مقالة مملولة يبحث صاحبها عن الشهرة والإثارة، أو أخرى مجهولة يكتبها كاتب متخفياً خلف الستارة.