فوزية الجار الله
ذات يوم حدثتني إحدى الصديقات بحكاية واقعية موجعة نقلتها عن شقيقها، يقول الأخ: حين كنا صغاراً في المدرسة الابتدائية أُتيح لنا في آخر ذلك اليوم المدرسي لعب الكرة في فناء المدرسة، حينها كنا في السنة الثانية الابتدائية وكان معنا زميلنا وهو طفل رقيق لطيف يتميز بجمال الوجه وحسن المظهر، استدعاه أحد المعلمين الذي كان واقفاً عن بُعد، توقفنا عن اللعب وقد انطلق زميلنا إلى المعلم ورأيناه يصطحبه إلى موقع آخر بعيداً عن الملعب، وقد أشار لنا المعلم بأن نكمل اللعب وأنه سيعود إلينا بعد قليل، عاد الطفل بعد قليل وقد تغيرت ملامح وجهه وقد بدا منكسراً وحزيناً وغارقاً في الصمت، لم ينبس ببنت شفة ولم نحاول نحن الإلحاح عليه، لكن الحكاية بدت لنا غامضة، لم نفهم يومها ما الذي حدث؟! حين كبرنا علمنا بشكل أو آخر كل بطريقته، علمنا بأن ذلك المعلم لم يكن إلا ذئباً بشرياً متوحشاً بثوب معلم فقد اعتدى على براءة طفل لم يتجاوز الثامنة من عمره، الحكاية تبدو مريرة قاتلة ولو كنت أباً أو أماً لهذا الطفل لفعلت كل ما يمكن في سبيل اقتفاء أثر هذا المجرم مهما طال الزمن وأينما أبعدته المسافات عن موقع جريمته وأخذت القصاص منه لأجل الطفل ولأجل المجتمع ولأجل العدالة التي لا بد أن تأخذ مجراها في مثل هذه الأمور، فذلك الطفل الذي أصبح رجلاً اليوم بقيت آثار تلك الحادثة ممتدة معه في كافة مراحل عمره، بقيت كما الجرح الخفي العميق الذي لا بد من علاجه وإلا بقيت واستفحلت آثاره وتبعاته.
مضى على هذه الحكاية أكثر من ثلاثين عاماً وما زالت مثل هذه الحكايات تحدث حتى هذا اليوم، لكنها تطورت مؤخراً في زمن التكنولوجيا وأصبحت أكثر خطورة، حيث أصبح الإنترنت وسيلة سهلة متاحة لترويجها من خلال تشكيل شبكة عنكبوتية تستغل الأطفال والأحداث وتعتدي على براءتهم، لذا كنت وغيري من أفراد هذا المجتمع صغاراً وكباراً من كافة الفئات ممن أسعدهم كثيراً إقامة المؤتمر الدولي للوقاية من التحرش الجنسي للأطفال على أرض بلادنا، مؤخراً في مدينة الرياض، وهي قضية هامة جداً تحمل الكثير من الإحصائيات المخيفة.
وقد أخذ مؤخراً مؤسسو مبادرة «كفى بي» على عاتقهم العمل على التوعية بهذه القضية ومساعدة الآباء والأبناء على التعامل مع هذه الظاهرة المهمة..
أصبحت مناقشة مثل هذه القضية بشكل صريح وواضح أمراً حتمياً لحماية الأطفال ووقايتهم ولحماية المجتمع بأكمله.