فضل بن سعد البوعينين
ترتبط الإدارة بعلوم متشعبة؛ منها الاقتصاد والمحاسبة والإحصاء؛ وغيرها من العلوم الأخرى؛ ما يجعلها محور الارتباط؛ وأداة العمل المحكم. فدور الاقتصاد لا يمكن أن يكتمل بمعزل عن الإدارة الحصيفة؛ والأمر عينه ينطبق على العلوم الأخرى. الإدارة الكفؤة للاقتصاد هي الأداة الضامنة للمخرجات الإيجابية؛ وهي ما تبحث عنه الحكومات في مراحل التغيير والتطوير وإعادة الهيكلة. الإدارة هي أداة المعالجة للمشكلات الاقتصادية؛ لذا نجد التباين الكبير في تطبيق البرامج الاقتصادية بين الدول والحكومات والشركات؛ ومخرجاتها النهائية. تطابق المفاهيم والبرامج لا يضمن تطابق النتائج؛ وأحسب أن نوعية الإدارة المؤطرة لتلك البرامج هي من يحدد نسبة النجاح؛ ونوعية المخرجات؛ ويحدث في الوقت نفسه الفارق بين الدول والحكومات.
التنظيمات الإدارية المحكمة من أهم متطلبات التنمية؛ بل ربما كانت القاعدة الأساسية التي تبنى عليها برامج التنمية المستدامة؛ وبالرجوع إلى غالبية الدول المتقدمة؛ أو تلك الدول التي تمكنت من تحقيق النجاح المبهر في برامج التحول الاقتصادي؛ والانتقال من مصاف الدول النامية إلى الدول المتقدمة صناعياً؛ نجد أنها اعتمدت أولاً على التطوير الإداري لتهيئة البيئة الحاضنة لبرامج التحول الاقتصادي. وهو ما تحتاجه المملكة اليوم في مسيرة بناء الاقتصاد على أسس حديثة ومتنوعة وإعادة الهيكلة وتحقيق أهدافها الطموحة.
أحسب أن مؤتمر «التنمية الإدارية في ظل التحديات الاقتصادية» الذي ينظمه معهد الإدارة العامة تحت رعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أحد أدوات التكامل بين الاقتصاد والإدارة؛ الذي أصبحنا في أمسّ الحاجة له مع انطلاقة مشروع إعادة هيكلة الاقتصاد والتحول الوطني؛ وهي مرحلة مفصلية تتحكم بالمستقبل الاقتصادي والإداري في آن. لا خلاف على أهمية رؤية المملكة 2030 التي تركز بشكل أكبر على الأهداف الاقتصادية؛ إلا أن المضي في تنفيذ برامجها يحتاج دائماً إلى الجانب الإداري الضامن لتحقيق الكفاءة؛ وجودة المخرجات.
تبني نماذج إدارية حديثة؛ وآليات عمل منضبطة يسهم بشكل مباشر في تحسين مخرجات الرؤية؛ وضمان التعامل معها بكفاءة وتحسين الأداء والعمل باحترافية مع جميع المتغيرات المؤثرة في مراحل التطبيق المختلفة؛ وأهمها المراحل الأولى المتحكمة في مؤشرات النجاح. فالإستراتيجيات الحالية في أمسّ الحاجة إلى ركائز التنمية الإدارية؛ المنظومة المحكمة لعمليات التطوير الاقتصادي. إرساء قواعد الأنظمة الإدارية والممارسات الكفؤة وأسس الحوكمة ترفع من نسبة نجاح برامج التحول المستهدفة؛ وتساعد بشكل واضح في تحقيق التنمية الشاملة على أسس علمية حصيفة تتحول مع مرور الوقت إلى ثقافة عامة منضبطة؛ وممارسات لا يمكن التخلي عنها بسهولة.
محاور المؤتمر المتمثلة في الشراكة بين القطاعين العام والخاص ودورها في التنمية الإدارية؛ الموارد البشرية والتنمية الإدارية؛ الحوكمة في القطاعين العام والخاص ودورها في التنمية الإدارية؛ والاقتصاد المعرفي والتنمية الإدارية، يمكن أن تحيط بأهم الجوانب المؤثرة في التطوير الإداري المنشود. أهمية محاور المؤتمر؛ ومخرجاته المتوقعة؛ لا يمكن الركون إليها بمعزل عن التطبيق. فكم من المؤتمرات النوعية التي نُظمت من قبل والتوصيات المهمة التي قدمت دون أن تجد من يتعامل معها بجدية؛ ويحرص على تطبيقها لإحداث التغيير المنشود. أجزم أننا في أمسّ الحاجة لكل توصية علمية حصيفة قادرة على تحسين منظومة الإدارة الحكومية خاصة في مرحلة التحول الوطني. التفاؤل الكبير بأهداف رؤية المملكة 2030 قد يتقلص لأسباب إدارية صرفة؛ وأحسب أنّ هناك بعض المؤشرات الإدارية غير المتوافقة مع معايير الجودة التي بدأت في التأثير السلبي على برامج التطوير، ما يستوجب التعامل معها بعناية وبخطوات علمية ضامنة للمخرجات.