د. حسن بن فهد الهويمل
ما سبق من قول يُجَسِّدُ صُوَر الفعل المشترك، بين الدول المتقدمة، والمتخلفة، مما يجعل الحال من بعضها. إنها مقترفات دول، تتصدّر العالم بعلمها، وبكافة إمكانياتها. وتدير شؤونه، ولا يعلو صَوْتَها صوتٌ.
وعلى الرغم من أنّ [أمريكا] بوصفها ذروة سنام الدول المتقدمة بهذه الممارسات، فإنني لا أود تهميشها. ولا أتمنى تفكيكها، ولا أُحَبِّذُ قطع الصلة بها. لأنها دولة تملك ناصية الكون بقواتها المتعددة، وبمؤسساتها المتنوعة، وبأسلحتها الفتاكة، وتقنياتها الدقيقة.
وحين لا أتمنى، ولا أود السوء لها، ولا لمن هم على شاكلتها، لا أقبل احتكارها للفضائل، وتباهيها مع كل هذه الرذائل، ولا أقبل إمعانها، وإمعان الغرب من ورائها في الإيذاء، وإسرافها في ادعاء التفوق الشامل: مادةً، وقيمًا. ولا أقبل مبالغة الجهلة في الثناء عليها، وممارسة الإحباط ، والتخذيل، وجلد الذات.
ولما كان [الظلم] أحَطُّ خليقة، تتلبّس بها الدول القوية المتخلفة، فإنّ الغرب بهذه الأخلاقيات، لا يختلف عن العالم الثالث، الذي يُطْلق عليه الغرب ظلمًا، وعدوانًا [العالم المتخلف] مع استعانته بكفاءات أبنائه، وتزوّده من خيراته.
الغرب بتدخلاته، وغزوه، وتآمره، ولعبه المخلة بالسيادة، لا يقصد الإصلاح كما يشيعه المتذيلون. إنه يُنْشِئُ الخلافات بين الأقليات، ويرعاها، ويوقظ النعرات، ويغذيها. ولو كان مُصْلِحًا بما يفعل، لشملته آية: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.
ومن المسلّمات تعرُّض كل ظالم لوعيد الله. فالسنن الكونية لا تتخلف. ومن رَكَن إلى قوّته، خذله الله.
وأنا حين لا أريد لأمريكا أن تسقط ، فإنّ فعلها مؤذن به لا محالة.
دول الغرب مَكَّنَها الله من حُكْمِ العالم، واستنزاف خيراته، غير أنها لم تحسن ولايته. وكيف يتأتى لها النصر، والله قد حرم الظلم على نفسه، وجعله بين مخلوقاته محرّمًا. وحين لا يتراجع الأقوياء عما نهوا عنه فإنّ مرتعهم وخيم.
والعنف، والغلو، والتطرف الذي يُعَدُّ من لوازم الأمة العربية، ويتداوله الإعلام العالمي على أنه خليقة مُسَلَّمة، لم يكن وقفًا على العالم العربي، ولا سمة خاصة من سماته.
لقد خاض العالم الغربي حروبًا دامية: دينية، وعرقية، وإقليمية، واتسمت [المسيحية] بالتطرف. ومرت [أوروبا] بنزاعات همجية، وخاضت حروبًا شرسة دمرت فيها كل شيء.
والأمة العربية، والإسلامية منذ أن أُذِنَ لها بـ[الجهاد]، وعَرَفَت السيوف والجياد، لم تُزْهِق من الأرواح. ولم تُدَمِّرْ من الممتلكات. ولم تشرِّد من البشر عُشْرَ ما اقترفه الجنون الغربي في حربين عالميتين مجنونتين. ومع ذلك طويت صحائف تلك الحروب المتوحشة، ونسيت آثارهما.
وفوضى العالم العربي اليوم المَرْعِيَّةُ، والمدبرةُ من الغرب، يُنْظَرُ إليها على أنها منتهى الهمجية، والتوحش. ولو ترك العَرَبُ، وشأنهم لأنهوا خلافاتهم، وَصَفَّوا حساباتهم.
أقول قولي هذا لأثبت أنّ الإنسان هو الإنسان، في كل زمان، ومكان، بكل ما وصفه به [القرآن الكريم]. وأنه إن لم يُحْكَم بـ[الدستور] و[القانون] المفعلين، وما لم تخيفه المقاصل، والسجون يصبح مشروع توحش، وهمجية، وجهل، هنا، أو في بلاد الغرب.
ولست فيما أقول مُعَذِّرًا، ولا مُبَرِّرًا، ولا متنصِّلًا، ولكنني مُعَرِّفٌ بواقع إنساني يقتسم الخير، والشر، والنبوغ، والجهل.
فلا أحد يحتكر الفضيلة، ولا أحد يدوم على حال. والناجون مَنْ تُغْنِيهم الآيات، والنّذر.
ولك أن تقول مثل ذلك على مستوى الأوضاع الداخلية لشعب مُتَمَدْيِن، يحمل الْكَلَّ، ويعول دولته كـ[أمريكا]، فحال الشعب الأمريكي لا يَخْتلف عن أحوال ما سواها.
فأمريكا عند من يقرؤونها من الداخل دون ما يتداوله المستغربون المبهورون، الذين سمعوا، ولم يروا. واستجابوا، ولم يتثبتوا.
نعم هي دولة [ديموقراطية]، [ليبرالية] تحكمها صنادق الاقتراع. على الرغم من أنّ الذين يصلون إلى سدّة الحكم، إنما يصلون بإمكانياتهم المادية، وبـ[اللوبيات] المستفيدة، لا بكفاءاتهم الذاتية.
هي دولة تحترم إنسانها، وتحميه. يحكمها [القانون] ولا تسودها القيم. تبدو فيها الطبقية في أبشع صورها، وأحط أوضاعها.
و[ليبراليتها] تحمي الرذيلة، ولا تشيع الفضيلة، وتُشْبِع نهم الأغنياء، ولا تملأ معدات الفقراء.
ترى بأُم عينك الشرود الذهني، والضياع الاجتماعي، والبؤس، والبطالة، والأسمال البالية، وانعدام التكافل الاجتماعي، وانتزاع الرحمة من القلوب.
[جمعيات الرفق بالحيوان] تثور، وتمور لو أنّ طفلًا أضر بقطة، وهو يداعبها، فيما ترتفع نسب البطالة، والفقر، والتشرد، والعنف، والتسول ثم لا تحرك ساكنًا. وتتطاير أشلاء العُزَّل الأبرياء، ثم لا يتمعّر وجهها، وكل المؤسسات الدولية ألعوبة بيد الغالب.
وتلك المناظر المقرفة بلغت حد الظواهر المألوفة. والمبهورون يرونها حَسَنًا على حد: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}.
وشاهد الأهل لا معقب لشهادته. لقد اعترفت [وزارة الإسكان] - كما يروي- [نجيب الخنيزي] في مقالة له بـ[الجزيرة 29 - 1 - 1438هـ]: [أنّ الولايات المتحدة تضم أعلى نسبة مشردين من النساء، والأطفال بين نظيراتها من الدول الصناعية].
وكيف يتأتى لدولة متسلطة، متغطرسة، مُصَنَّمة أن تُباهي بأوضاعها الداخلية، وفيها ما يقارب خمسين مليون عاطل، وفوق ثمانية ملايين يعملون بدوام جزئي. ودعك من ضحايا المخدرات، والعنف، والقمار.
ودعك من تدني الأخلاق، وتفشي القتل، والسطو المسلح، والتسلح الشعبي، وامتلاء السجون، والإصلاحيات، والمصحات النفسية. ودعك من وجود طوائف: عرقية، ودينية يُقَدَّرُ أشياعُها بالملايين. لها شعائرها، وممارساتها الأغرب من الخيال.
ودعك من إباحة اللواط، وشرعنة الزواج المثلي. كل ذلك يجعل العاقل يُسَلِّم بأنّ الحال من بعضها.