أحمد المغلوث
كان الوقت ضحى والفتى يمارس إحدى هواياته في غرفته المحببة له ذات السقف المزدان بخشب الصندل وشرائح خشبية ملونة ومتقاطعة في تصميم بسيط أبدع فيه الحرفيون والبناؤن.. عند عتبة الغرفة قالت والدته بعد أن ألقت عليه تحية السلام: نحتاج كم كيلو لحم بقر بس بدون عظم.. همتك يا ولدي خذه العشرة ريال وروح «القصابية» ولا تتأخر. أخاف تتوقف هنا ولا هناك في القيصرية ويضيع الوقت. أعرفك زين. فقام من جلسته.وهو يردد أبشري بسعدك. أبشري بسعدك. لكن إذا سمحتى لي با أخذ ريال.. اليوم موعد وصول المجلات.. فردت عليه وهي تقف على عتبة الغرفة.. ضروري الريال؟! وابتسم قائلا. طبعا ضروري. بصراحة ناوي اشتري مجلة «سندباد» أنت تعرفين تعجبني رسومات «حسين بيكار» رسام المجلة. فتطلعت إليه والدته وترددت قليلا ثم قالت. ولا يهمك مادام فيها قراءة واطلاع، ابشر، ولا تنسى تجيب معك مجلة حواء لأختك. تحبها كثير..؟! وضع قلم الرصاص من يده على دفتر الرسم.. ثم وضعهما في «روزنة» الغرفة واتجه لوالدته ثم قبل رأسها وأخذ منها العشرة ريال.. ووجهه باسما ونفسه سعيدة.. ثم خرج من باب بيتهم بسرعة تكاد تطير به طاقيته التي أحسن من وضعها والمزدانة بدوائر مطرزة ذات لون واحد. وسار في الطريق المبلل بماء المطر وهو يتجنب أن يتلوث حذاؤه الجلدي التي اشتهرت به مدينته وشرائحها الجلدية الملونة والمخاطة في وسطه شكلت عقدة أشبه بالوردة. لم يكن بيتهم بعيدا عن وسط المدينة. بل يبعد عن القيصرية والجامع مابين 250 -300 متر تقريبا. وما هي الا لحظات وإذا به يقف أمام العم محمد صاحب المكتبة بقيصرية المبرز، هكذا كان يناديه يا عم، وبحكم كونه عاشقا للقراءة ومن زبائن مكتبته الصغيرة الدائمين فهو بالتالي له حظوة عنده، بل يحافظ على مجلته المفضلة لديه حتى قدومه لاستلامها، فالأعداد التي تصل اليها لا تتجاوز الثلاث نسخ.. رحب به العم محمد هاشا باشا وقال له: ما شاء الله عليك. تصدق أن المجلات والصحف مالها إلا ساعة من وصولها. لو كانت خبزا لشعرت بسخونتها..؟! فرد عليه الفتى شاكرا وقال : صحيح كلامك إنها خبز.. أشعر بأنها غذاء يومي لا أستطيع الاستغناء عنه؟! فتطلع إليه العم محمد وقال الله يبارك فيك كلامك صحيح يا ولدي بس هات من يعي ويفهم ذلك، فرد الفتى منتشيا: أمثالك يا عم اللي يجيبون لنا هذا الغذاء.. فهز العم محمد رأسه سعيدا وهو يبتسم وقال بارك الله فيك..! وقال الفتى أنا رايح اشتري لحوجهز لي طال عمرك سندباد ومجلة حواء.قال ذلك وهو يتجه إلى «القصابية» وهي لا تبعد كثيرا عن القيصرية.. كان مبناها الناصع البياض مبني من الطين ومغطى بطبقة من الجص الأبيض والمسقوف بخشب الكندل وتتوزع داخل مسطبات القصابين حيث خصص لكل واحد مساحة محدودة لا تتجاوز المترين في متر ونصف للداخل. وقف أمام أحدهم وكان رجلا باسما ولطيفا وطلب منه 3 كيلو لحم بقر بدون عظم. ورد عليه القصاب الباسم: من سنين يا ولدي ونحن نحاول تربية بقر من دون عظم ودهن لكن لحمها بسرعة يطيح. فدهش الفتى من كلامه واتسعت عيناه بسعة المبنى. وإذا بالقصاب يقول: أنا أمزح معك يا ولدي. قول عطنا لحم «هريس». أفضل وهو اللحم اللي بدون عظم.. تذكر ذلك عندما سمع مساء أمس في السوبرماركت الكبير إحدى السيدات وهي تطلب من بائع اللحوم الأجنبي لحم «هريس»؟!
تغريدة : مثل ما تهتم ببيتك الصغير. اهتم ببيتك الكبير «الوطن» فهو قبل وبعد موطن أمنك واستقرارك..؟!