الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: ففي عشية الذكرى الخامسة عشرة لهجمات سبتمبر، ومع فورة انتخابات الرئاسة، صادق الكونغرس الأمريكي على تشريع (العدالة ضد رعاة الإرهاب) المسمى اختصارًا بـ(جاستا). ودلَّت الظروف التي صدر فيها التشريع على أن دافعه الأول سياسي مع عدم تجاهل مناورة بعض مكاتب المحاماة حيث يعزي البعض دورهم الكبير في هذا الشأن.
لقد كان موقف رابطة العالم الإسلامي والهيئة العالمية للعلماء المسلمين بالرابطة واضحاً -في حينه- إزاء هذا القانون، معبراً عن بالغ القلق لصدوره، لمُخالفته الصريحة لميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي، وأسس العلاقات الدولية، القائمة على مبادئ المساواة في السيادة، وحصانة الدولة، والاحترام المتبادل، وعدم فرض القوانين الداخلية لأي دولة على الدولة الأخرى.
وجاء في البيان الصادر عن الرابطة أن هذا القانون يهدد استقرار النظام الدولي، ويُلقي بظلال الشكوك على التعاملات الدولية، إضافة إلى ما قد يُحْدِثُه من أَضْرارٍ اقتصادية عالمية، وسيكون له تبعات ٌسلبيةٌ كثيرةٌ، ويمثّل سابقةً خَطِرَةً في علاقات الأُمَم. وطالب البيان -في وقته- بألا تعتمد َالسلطاتُ التشريعية الأمريكية هذا القانون الذي يَفتحُ البابَ على مصراعيه للدول الأخرى، لإصدار قوانين مشابهة، ما يؤثر سلباً على الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، ويُخِلُّ إخلالاً جسيماً بمبادئ دولية راسخة قائمة على أسس المساواة السيادية، والحصانة السيادية للدول، وهو ما استقر العمل بموجبه في جميع التعاملات الدولية، منذ تأسيس الأمم المتحدة، ما سينعكس سلباً على التعاملات الدولية، ويحمل في طياته بواعث للفوضى، وعدم الاستقرار في العلاقات بين الدول، معيداً النظام الدولي للوراء، كما سيجدُ فيه التطرفُ المحاصر فكرياً ذريعةً جديدة للتغرير بأهدافه.
وصدرت ردود فعل متوقعة عن عدد من الدول والمنظمات والجمعيات والهيئات في العالم الإسلامي وغيره، معبرة عن رفضها لهذا القانون، فيما تلقت رابطة العالم الإسلامي مشاعر عدد من الفعاليات الإسلامية تجاه هذا التشريع بسابقته المخلة بالنظام والعرف والاستقرار الدولي، وأن على الكونجرس الأمريكي استشراف أبعاد هذا القانون على الثقة بالقانون الدولي والعلاقات الدولية والمصالح الأمريكية، ومراجعته على ضوء هذا الوعي التشريعي.
وأن حيثيات تعليق أحكام القوانين المحلية والدولية في قضايا الأمن القومي منبتة الصلة عن ذرائع هذا القانون وسياقاته التشريعية، وهو ما حمل بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي -بعد تصويته المبتسر- على القول بأهمية مراجعته لعدم استطلاع أبعاده على إثر تفاصيل الأطروحات السياسية والاقتصادية والقانونية المثارة عليه لاحقاً، وهي الأكثر دراسةً وإيضاحاً، مشيرةً إلى أن منطق القوة والمكابرة منطق العصور المظلمة وهو منطق تجاوزه عصر النهضة والوعي والاستنارة المادية، ولا يُناسب صدوره عن كيان تشريعي، يحظى بالثقة والاحترام وظل طيلة تاريخه محاولاً - في العموم - المحافظة على توازن قراراته مراعياً القوانين والأعراف الدولية وفي طليعة أحكامها احترام مبادئ السيادة والحصانة الدولية.
د. محمد بن عبد الكريم العيسى - الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي