«الجزيرة» - متابعة:
قانون جاستا هو اختصار لفظي لـ(Justice Against Sponsors of Terrorism Act) والذي ترجم بـ»قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب»، وهو في الوقت ذاته اختصار دلالي لأزمات سياسية أمريكية داخلية وخارجية. وقد أثار هذا القانون جدلاً قانونياً وإشكالات سياسية ستستمر طويلاً بالتفاعل والتداعيات، وستفتح أبواباً من الفوضى القانونية اللامسؤولة.
فهو إلى جانب كونه سابقة خطيرة وتجاوزاً على قواعد قانونية دولية، تتعلق بمبادئ السيادة، يتناقض أساساً مع الدستور الأمريكي ذاته الذي ينص على أن كل التشريعات الأمريكية يجب أن تتسق مع قواعد القانون الدولي ومع التعهدات والالتزامات الأمريكية الدولية. كما أنه يخرق القانون الأمريكي الذي صدر عام 1967 استناداً لميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي والخاص بمنح الدول الأجنبية الحصانة من الدعاوى الأمريكية.
ويسمح القانون للمحاكم الأميركية بالنظر في قضايا تتعلق بـ «مطالبات ضد أي دولة أجنبية فيما يخص الإصابات، أو القتل، أو الأضرار التي تحدث داخل الولايات المتحدة نتيجة لعمل إرهابي يرتكب في أي مكان من قبل دولة أو مسؤول أجنبي».
ويمكن من رفع دعاوى مدنية ضد أي دولة أجنبية أو مسؤول أجنبي في قضايا الإصابات أو القتل أو الأضرار الناجمة عن أي فعل من أفعال الإرهاب الدولي. كما يخول القانون المحاكم الفيدرالية بـ «ممارسة الولاية القضائية الشخصية وفرض محاسبة لأي شخص يرتكب مثل هذه الأفعال أو يقدم المساعدة أو يحرض أو يشرع في ارتكاب أي عمل من أعمال الإرهاب الدولي ضد أي مواطن أميركي».
وجاء في بند محاسبة الدول الأجنبية أنه: «لا يجوز لدولة أجنبية أن تكون في مأمن من اختصاص المحاكم الأميركية في أي قضية من القضايا التي تطالب بتعويضات مالية ضد دولة أجنبية جراء إصابات جسدية لشخص أو ممتلكات أو حوادث قتل تحدث في الولايات المتحدة»، وتكون نتيجة عمل من أعمال الإرهاب الدولي في الولايات المتحدة. وكذلك أي عمل من أعمال أي دولة أجنبية، أو من أي مسؤول أو موظف أو عميل لتلك الدولة الأجنبية خلال عمله ضمن نطاق مكتبه أو وظيفته أو وكالته، بغض النظر عن موقع حدوث هذه الأعمال من الدولة الأجنبية.
ووصف محامون وقانونيون قانون جاستا بأنه كلمة حق أريد بها باطل، وأنه مسيس وهدفه تصفية حسابات سياسية، وسيطيح هذا القانون بكل معايير حقوق الإنسان الدولية التي حرّمت أن يمتد العقاب على الجريمة لغير فاعلها، إضافة إلى أن سماح «جاستا» بتحميل «الدولة» مسؤولية جنائية بتحميل شعب بأكمله مسؤولية جريمة اقترفها أفراد يُعتبر أمراً جنونياً. وهو سابقة خطيرة تبرر شريعة الغاب وتؤسس لفوضى قانونية تبدأ ولا تنتهي من حيث الفعل ورد الفعل من مختلف الدول، ولاسيما تلك التي تشهد مناكفات وخصومات سياسية في ما بينها.
وشددوا على أن قانون جاستا عليه مآخذ قانونية عديدة، من أهمها أن هذا القانون سيتحول من أداة قانونية إلى أداة سياسية وورقة ضغط وابتزاز من جانب أمريكا ضد أي دولة، بالإضافة إلى أن هذا القانون يتعارض مع أسس ومبادئ الشرعية الدولية ولاسيما مبدأ حصانة وسيادة الدول والذي يعد الركيزة الأولى في العلاقات الدولية طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والذي يعني عدم إجبار أي دولة ذات سيادة على المثول أمام قضاء دولة أخرى، كما أن هذا القانون المشبوه قد يؤسس لسوابق خطيرة في العلاقات الدولية ويهدر أحكام القانون الدولي بالإضافة إلى أنه قد يؤدي إلى إحداث أضرار اقتصادية عالمية وأزمات سياسية على الصعيد الدولي بين الدول. كما أن جاستا سلاح ذو حدين وله مخاطر على أمريكا نفسها، إذ يمكن أن تلجأ الدول التي تضررت من أمريكا وحلفائها لرفع دعاوى مماثلة وطلب تعويضات هائلة عما لحق شعوبها من أضرار ما سيجعل الولايات المتحدة عرضة للملاحقة القضائية في العالم.
ونبه القانونيون في إشارة إلى ضعف الأدلة ضد المملكة بأن جاستا بالأساس استند إلى مجرد مزاعم كاذبة سبق نفيها من قبل كل من اللجنة المستقلة غير الحكومية التي شكلت للتحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي أعلن نتيجتها البيت الأبيض في السابع عشر من شهر مايو عام 2016 والتي خلصت إلى عدم وجود دليل على ضلوع المملكة في تقديم أي دعم مالي لمنفذي أحداث الحادي عشر من سبتمبر. كما أكد ذلك أيضاً جهاز الاستخبارات الأمريكية والمعروف بالـ»سي آي إيه» على موقعه الالكتروني في الرابع عشر من يونيو عام 2016 عندما رفعت السرية عن أربع وثائق متعلقة بالتحقيقات بشأن عمل الوكالة بعد أحداث 11سبتمبر جاء في إحداها التأكيد على أن المملكة لم تدعم تنظيم القاعدة الإرهابي، ولا يوجد أية وثائق رسمية يمكن الركون إليها تؤكد ضلوع المملكة في تقديم أي نوع من الدعم المادي لمنفذي الحادث.
ومن جهتهم رأى مشرعون أمريكيون أنه لايزال يحق للرئيس الأمريكي تعليق جميع الدعاوى، مرجحين أن يقوم الكونجرس بإعادة النظر في القانون، في حال تمت مواجهة الولايات المتحدة بعشرات القوانين المماثلة. وكشفوا عن أسباب تنسف «جاستا» من أساسه؛ حيث إنه يسمح للمحكمة بتعليق إجراءات التقاضي ضد دولة أجنبية إذا قالت الولايات المتحدة إنها «تجري مناقشات حسنة النية» مع الدولة لحل هذه المزاعم.
وقال كورتيس برادلي أستاذ القانون في جامعة ديوك، في تصريح لوكالة أنباء رويترز السبت (1 أكتوبر 2016)، إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيطلب على الأرجح مثل هذا التعليق.
وقال ستيفن فلاديك من كلية القانون بجامعة تكساس، إن هذه الأمور تلقي بظلال من الشك على القانون وقد تؤدي إلى عملية تقاض طويلة تتركز على توضيح معاني ما ورد في القانون من عبارات. وأضاف فلاديك: «الخطوة التالية في هذا ستكون إما أن تعلق مجموعة كاملة من الدعاوى القضائية إلى أجل غير مسمى أو ترفع مجموعة من الدعاوى لمعرفة معنى كل هذه العقبات التي أضافها الكونجرس على مشروع القانون في اللحظة الأخيرة». أما على الجانب الآخر، فقد أضاف مشرعون أمريكيون أنه حتى مع التعديلات يخشى منتقدو القانون الجديد من أنه قد يلهم دولاً أخرى للرد من خلال سن قوانينها الخاصة التي قد تؤدي إلى رفع دعاوى قضائية ضد الولايات المتحدة أو الشركات الأمريكية. وقال بعض المشرعين الأمريكيين إن الكونجرس قد يعيد النظر في القانون لتخفيفه أكثر.
ويشير محامون وأساتذة من ذوي الخبرة في القانون الدولي إلى أنه سيكون من الصعب إثبات أن دولة أجنبية مسؤولة عن أعمال إرهابية، وتوقعوا جدلاً قانونياً مطولاً في هذا الصدد. وأضافوا: «في نهاية المطاف قد نجد بعد سنوات من التقاضي أنه لا توجد صلة كافية تربط الدولة المعنية بالهجمات. حيث ينص القانون أنه على المدعين إظهار أن دولة أجنبية «قدمت عن علم أو عن تهور دعماً مادياً أو موارد» لجماعات إرهابية وليس مجرد أن الدول تصرفت بإهمال أو غضت الطرف عما يحدث.