عبدالعزيز السماري
لأول مرة منذ عقود يخطف الطرح والخبر الاقتصادي زمام المبادرة لحالة الجدل الاجتماعي منذ نهاية السبعينات، وقد ساهمت آنذاك الصحوة الإسلامية والجهاد الأفغاني وقبلهما حركة جهيمان في استثارة الحراك الثقافي بمختلف تياراته في المجتمع السعودي، لكن الصورة الحالية تختلف تمامِاً، لكنها في غاية الوضوح، فقد انسحب الإسلاميون من المشهد العام، وانتقل الطرح الثقافي إلى الهامش، بينما تصدر الخبر والتغريدة والمقالة الاقتصادية المشهد بدون منازع.
وسأحاول قدر الإمكان تناول بعض من المحطات المركزية، والتي ساهمت في تغيير ملامح المشهد الثقافي في المجتمع من أقصى اليمين إلى زوايا بعيدة في مختلف الاتجاهات، ولم يحدث ذلك عبثاً، ولكن بسبب نقلة نوعية في الخطاب العام، ودخول الوطن إلى مرحلة أخرى، عنوانها المثير هو التغيير نحو المستقبل، وسأوجز بعض من المشاهد المثيرة في فترة قصيرة..
في 10 ديسمبر 2015، ظهرت على قناة العربية خارطة طريق للاقتصاد السعودي تحت عنوان شركة ماكنزي، تتضح فيها معالم خطة مستقبلية ستسمح للسعودية بإجراء تحول جذري يضع اقتصادها على مسار مستدام، بغض النظر عن أسعار النفط، وشددت ماكنزي حسب قناة العربية أن التغيرات تشمل ثلاث شرائح هي الحكومة والقطاع الخاص والأفراد.
في 19 أكتوبر 2016، ظهرت حلقة ساخنة من برنامج الثامنة، وظهر فيها ثلاثة وزراء، وكان لغتها مختلفة، وبأسلوب مختلف، وأطلقت عبارات مرعبة مثل خطر إفلاس الدولة، وكسل الموظف الحكومي، وترف التعليم الجامعي، وكانت بمثابة الشرارة التي تطايرت بعدها الأخبار والمقالات والتغريدات في فضاء لم يعد يعتد هذا الأسلوب في إدارة اقتصاد المملكة.
وفي 15 نوفمبر 2016 كانت المفاجأة عندما نفت شركة ماكنزي جملة وتفصيلاً علاقتها بالرؤية السعودية للمستقبل، وعللت صمتها الطويل على النقد المتواصل للشركة أن المسؤولين كانوا على دراية بالأحاديث المتداولة حول علاقة «ماكنزي» بالرؤية الاقتصادية، ولم يصدر تعليق منها في حينها، حيث إن سياسة الشركة تقضي بأن لا تعلق على أمور متعلقة بعملائها.
في 19 نوفمبر 2016، نقلت صحيفة الحياة أن مجموعة من الخبراء السعوديين رفعوا قضية ضد وزارة الاقتصاد، بعد أن أخذت الأخيرة أفكارهم ونسبتها لها دون ذكر حقوق أصحابها، إضافة إلى تكليف شركة أجنبية (ماكنزي) بتنفيذها، وحسب المصدر أن المجموعة قدمت إلى وزارة الاقتصاد بعض الأفكار لكن الوزارة رفضتها بخطاب رسمي تضمن الاعتذار لعدم تخصص الوزارة في هذا الشأن، لكن الوزارة أخذت الأفكار بدون علمهم وقدمتها إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية..
خلال هذه الأحداث انشغل المجتمع بمقالات وتغريدات زادت من سخونة الأجواء الاقتصادية، وأصبحنا نتنفس اقتصاداً كل صباح ومساء، وكان أطرافها كتّاب رأي ومحللين اقتصاديين، تحولوا بين ليلة وضحاها إلى نجوم يتصدرون المشهد، ولا زالت أسئلتهم وأجوبتهم معلقة في الأذهان، وبغض النظر عن صحتها أو خطئها لم يجد المتلقون إيضاحات لتلك الحالة الضبابية والاتهامات المتبادلة.
وبصفتي متلقياً في عالم الاقتصاد، أعتقد أن ما يجري هو حالة طبيعية نتيجة للأحداث والأخبار المثيرة، والأهم في أجواء هذا الحوار الصاخب ألا يتحول الوضع إلى أشبه بكرة الثلج، فالخطأ أن تستمر الكرة في حالة الدوران المتضخم في اتجاه المستقبل، بينما الحل يبدو سهلاً، وهو بمحاولة وضع النقاط على الحروف قدر المستطاع، واللجوء لحوار العقول ومنطق التحليل الاقتصادي. والله ولي التوفيق