محمد آل الشيخ
أنا لدي قناعة، تزداد رسوخًا وتجذرًا مع مرور الوقت، مؤداها أن ثمة علاقة وطيدة بين هيبة المعلم في المدرسة والإرهاب. المعلم لدى الطالب عندما يدخل إلى المدرسة طفلاً يمثل له السلطة التي يجب أن يخضع لها، ويستقي منها أسس العلم والمعرفة، ويتعلم منها قيم المجتمع وأخلاقيات الانضباط. وكلما كان المعلم مهابًا، قويًّا، حازمًا، كان في مقدوره تنشئة جيل منضبط، يحترم السلطة، ولا يمكن أن يتمرد عليها. كذلك مدير المدرسة، يجب أن يكون له سلطة أعلى من سلطات المعلم، بحيث إذا أحيل الطالب المشاغب إليه من قِبل المعلم يكون عقابه رادعًا، وموجعًا للطالب نفسه، وإذا تكرر من الطالب التمرد والشغب يتم إدخال ولي الأمر في الموضوع، وإذا لم يرعوِ يتم فصله بشكل جزئي أولاً (أسبوع أو أسبوعين)، وإذا لم ينضبط سلوكيًّا يتم فصله نهائيًّا من المدرسة؛ لأن مثل هذا الطالب هو بمنزلة الجرثومة الخبيثة؛ يكون خطرًا على سلوكيات بقية الطلاب وإفسادهم، وباعثًا على تمردهم، خاصة الطلبة في سن المراهقة؛ إذ غالبًا ما يبحث الطالب في هذه المرحلة العمرية عن الذات والتميز، وأسهل السبل إلى التميز الشغب والتمرد على القيم؛ ما يجعله نجمًا بين زملائه.
وأنا أنتمي إلى جيل كان للمعلم فيه ولمدير المدرسة هيبة وسلطة وسطوة، وكانت شخصية المعلم فضلاً عن مدير المدرسة في غاية القوة والاحترام؛ فقد تلقيت تعليمي العام في (معهد العاصمة النموذجي)، وكان مدير المعهد آنذاك المربي الجليل الشيخ «عثمان الصالح» - رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء -؛ فقد كان مديرًا قويًّا حازمًا، لا تأخذه في الطالب المشاغب المتمرد على السلوكيات المجتمعية رأفة ولا رحمة، رغم أن من بين طلاب المعهد حينها أبناء النخبة في الرياض، ومن بينهم أمراء وأبناء وجهاء، لكنه كان لا يفرّق إطلاقًا بين كبير وصغير في تعاملاته التقويمية والتأديبية، بغض النظر عمن يكون؛ لذلك كانت مقولته الشهيرة (عطنا العصا يا سلمان) لعقاب الطالب المشاغب ترتعد منها فرائصنا، ونخافها جميعنا دون استثناء، الأمير وابن الوجيه قبل الآخرين. وكان الضرب آنذاك مشروعًا، وسلمان الغامدي هذا كان فراشًا، لكننا كنا نخافه ونهابه؛ لأن (عصاه) كانت رمز السلطة. وقد تخرّج من هذا المعهد كثير ممن يقودون البلد الآن، وعلى رأسهم سمو الأمير محمد بن نايف ولي العهد وزير الداخلية، الذي أبهر بإدارته للأمن ومحاربته للإرهاب العالم من أقصاه إلى أقصاه؛ فلا يخرجن أحد علي ويقول (الضرب) يهز شخصية الطالب.
ودائمًا ما أسأل نفسي: لماذا جيلي لم يعرف الإرهاب، ويقل بين أفراده المتمردون على السلطة؟.. طبعًا هناك أسباب كثيرة، غير أن تدني هيبة المعلم، وكذلك مدير المدرسة، وتكبيلهما بالأنظمة التي تحد من قدراتهما التأديبية، هي - في تقديري - من أهم الأسباب التي أفسدت الأجيال اللاحقة. ويتجلى عدم احترام السلطة ليس فقط في ظاهرة الإرهاب الخبيثة، بل أيضًا في عدم احترام أنظمة الدولة، وأهمها عدم احترام أنظمة السير المروري، خاصة ظاهرة (التفحيط) الذي يحصد من أرواح السعوديين أكثر مما يحصده الإرهاب؛ لذلك، ومن هذا المنبر، أطالب بإعادة النظر وتلمس كل الأسباب التي تعيد هيبة المعلم ومدير المدرسة، بمنحهما صلاحيات أوسع في التأديب والعقاب، ومنها (الضرب) أكثر مما عليه الوضع الآن؛ فقد جرّبنا الأساليب التربوية الوافدة التي يقولون إنها (حديثة)، فلم نجنِ منها إلا الإرهاب والتفحيط.
إلى اللقاء