إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
يتحدث المعنيون بمشكلة الإسكان في المملكة، عن ارتفاع تكاليف علاجها في ظل زيادة نفقات البناء والتشييد، وحسب التقديرات فالسوق بحاجة إلى مليون وحدة سكنية لسد الفجوة بين العرض والطلب، وهو وضع يكلف مئات المليارات مع افتراض ارتفاع قيمة الأراضي.
وكانت وزارة الإسكان قد أعلنت في 2015م مع انطلاق أنشطتها، تكليفها بحل أزمة السكن من خلال بناء 500 ألف وحدة، مع اعتمادات مالية بإجمالي 250 مليار ريال يتم تنفيذها على مدار خمس سنوات.. وهو ما يعني أن سد الفجوة الإسكانية يتطلب حوالي 500 مليار ريال لبناء مليون وحدة بأسعار 2014م.
ومع بداية العام الحالي 2016م وعلى غير المتوقع، شهد السوق العقاري حالة من الهدوء والتباطؤ، بدأت بتراجع الطلب مع تمسك العارضين بأسعارهم، إلا أنه خلال الشهور الست الأخيرة
استسلمت الأسعار لانخفاض الطلب، غير أن الظاهرة الأهم هي تراكم المعروض العقاري خاصة المكتبي والسكني، وبشكل فاقم من تراجع مستويات الأسعار لكافة أشكال العقار وبالذات في المدن الكبرى وهو ما يثير التساؤل: لماذا لم يستفد الطلب الإسكاني من تراجع الأسعار المدمج في ظل الربط بين أزمة الإسكان وارتفاع أسعار العقارات؟ أم أن الأزمة نفسها مفتعلة وهي في حقيقتها طلب خالص للدعم الحكومي؟
التباطؤ العقاري متعدد الجوانب
توضح مؤشرات السوق مدى التراجع في أسعار العقار خلال الشهور الماضية منذ بداية 2016، تأثرًا بقرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني، الذي صدرت لائحته التنفيذية، وعلى الرغم من أن هناك من يرفض هذه الحقيقة من أصحاب العقارات، ويسعى للتمسك بالأسعار السابقة، والتضليل بأنها لا تزال عند مستوياتها، إلا أن الواقع الراهن يؤكد حدوث تراجع تقدره العديد من الدراسات بنسبة 50 في المائة في المتوسط، ولكن ما يزال معدل التنفيذ على الأسعار الجديدة ضعيفا.
يشير تقرير حديث لشركة «JLL2016» إلى أن موجة من الهبوط ضربت سوق العقارات في كل المدن السعودية الكبرى خلال الربع الأول من عام 2016، نتيجة للتباين بين العرض والطلب وأوضاع الاقتصاد الكلي للمملكة.
ويؤكد التقرير، أن العقارات السكنية والمكتبية استمرت أسعار مبيعاتها في الانخفاض هامشيًا، في حين بدأت الإيجارات بالانخفاض خلال الربع الأول من 2016 بعد فترة نمو مستمرة شهدتها حتى عام 2015.
بل يوضح التقرير، أنه من المتوقع إطلاق المزيد من المشروعات السكنية والمكتبية عالية الجودة بكثير من مدن المملكة لتلبية الطلب على العقارات، التي تضم وسائل ترفيهية إضافية من قبل المشترين، بشكل سيؤثر سلبًا أيضًا على مستويات أسعارها.
فعلى سبيل المثال في مدينة جدة، شهد سوق العقارات السكنية انخفاضًا في أسعار الفيلات بنسبة (5.4 في المائة )، كما تراجعت أسعار الإيجار بنسبة (2.5 في المائة) خلال الربع الأول فقط.. أيضًا تشير دراسة أجرتها غرفة جدة إلى أن معدل المعروض الحالي من الوحدات السكنية بلغ حوالي 793.000 وحدة. وقد دخل إلى السوق خلال الربع الأول من عام 2016 إجمالي 4.000 وحدة سكنية (تضم فيلات منفصلة وعمارات للشقق).
الازدواجية في التفكير
عند التطرق إلى التباطؤ العقاري، فإننا نتحدث عن ارتفاع في العرض وخصوصًا من الوحدات السكنية والمكتبية، وهذا المعروض تسبب في تراجع الأسعار نتيجة غياب الطلب العالي.. وفي النهاية هناك معاناة للشركات العقارية والمقاولين من ارتفاعات، وقد تظهر مطالبات لمساندة الدولة لهم.
ولكن عندما نتحدث عن مشكلة الإسكان، فإننا نكشف عن انخفاض المعروض من الوحدات السكنية، الأمر الذي يتسبب في ارتفاع أسعارها، وعدم مقدرة الشباب أو المواطنين عمومًا على تحمل نفقاتها. وهم أيضًا يطلبون دعم الدولة لمساندتهم في شراء هذه الوحدات.
إنها ازدواجية، فلو كانت مشكلة الإسكان حقيقية، فإن الفترة الحالية هي فرصة للشراء، لأن هناك معروضًا على مستوى كافة المدن الرئيسة تحديدًا، في ظل تدني الأسعار، بل إن هذه الفترة تمثل فترة قبول من العارضين لتقديم أي تسهيلات في السداد أو ربما مزايا أعلى.. لأنه يعاني من تخمة العرض ويرغب في التصريف، وبالذات أن كثيرًا منهم مرتبط بالتزامات مالية أو التزامات سداد.
إذن، عدم سعي الطلب الإسكاني للاستفادة من معطيات هذه الفترة بالتسهيلات في الأسعار، يوحي بأن أزمة الإسكان في المملكة ليست حقيقية، ولكنها سعيًا وطلبًا خالصًا للدعم الحكومي في الحصول على مسكن مدعوم حكوميًا أو رخيص القيمة.
وفي هذا السياق، تقترح وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ»الجزيرة» أن تتبني وزارة الإسكان مبادرة للاستفادة من التباطؤ العقاري في حل أزمة الإسكان، كون استمرار تبني البناء والتشييد سيكلف الدولة نفقات باهظة، وسيكون حلاً بطيئًا للغاية، وقد لا يكون حلاً، لأن معدل نمو السكان ومن ثم الطلب الإضافي الجديد على المساكن سنويًا، قد يفوق حجم الوحدات السكنية الجديدة التي تنتجها الوزارة.. لذلك، فيمكن للوزارة تقديم دعم وتسهيلات في أشكال جديدة بدخولها «كضامن فقط للمشترين» من فئات معينة للشباب من الشركات العقارية العارضة حاليا، وخصوصًا في ظل انخفاض مستويات الأسعار، بل إنها ستتيح حلولاً للشركات العقارية التي يكاد بعضها أن يغلق أبوابه نتيجة تراكم الالتزامات عليه.