تأتي القرارات الحكومية الأخيرة تماشياً مع الرؤية2030 وكذلك تماهياً مع الوضع الاقتصادي الراهن، فمما لا شك فيه بأن المملكة العربية السعودية دولة مصّدرة للنفط، وتعتمد بشكل أساسي في اقتصادها على ذلك المورد الطبيعي الوحيد لتحريك عجلتها التنموية، وذلك خطأ تاريخي وقعنا فيه بسبب نشوة الطفرة الاقتصادية التي مر بها المواطن والحكومة مما جعلنا لا ندرك خطورة المشهد المستقبلي إن استمررنا في نفس النهج الاستهلاكي.
المجتمع السعودي بات أكثر وعياً ودراية بما يحدث بأحوال القرية العالمية الصغيرة من الناحية الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية، وعلى درجة من الإيمان الكامل بخطورة المشهد الاقتصادي السعودي المستقبلي لارتباطه الوثيق بمضاربات النفط وأحوال السياسة، لذلك فهناك رضا وتقبل بالسيناريو الاقتصادي الأسوأ والذي سيطال لقمة عيشه، وراتبه الشهري والتأثير على مستوى معيشته ورفاهيته، ففي الأخير نحن نركب في مركب واحد ونرتوي من مُعين واحد (النفط).
وجميع الدول المصّدرة للنفط أنكوت بنار تلك التقلبات السعرية والمضاربات وأثر ذلك على اقتصاداتها الوطنية وناتجها القومي، ولكن بلا شك تلك الدول تختلف كثيراً عن السعودية من حيث تنوع مصادر الدخل ورغم تأثرها إلا أن لديها البدائل الجاهزة من منتجات تصنعها وخدمات عالمية تقدمها قد تحقق لها بعض التوازن الاقتصادي ويقيها من شر الانهيار والإفلاس.
رغم تقبل المجتمع السعودي لكل القرارات الحكومية التصحيحية التي تأتي استجابة لإصلاحات الرؤية أو تبعاً لانخفاض سعر النفط (السلعة الوحيدة التي يقوم عليها الاقتصاد السعودي) إلا أنه كان ينتظر قبل صدور القرارات بعض التهيئة قبل الصدمة من خلال برامج توعوية تثقيفية، وبعد صدور القرارات كان ينتظر الشفافية المطلقة لتفسير وتوضيح القرارات، وهذا ما نصّت عليها الرؤية في أهدافها: فمن ضمن أهداف الرؤية الوطنية 2030 هو تحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات، وكذلك هدف الارتقاء بمستوى أداء وإنتاجية ومرونة الأجهزة الحكومية.
وكان من المفترض والمنتظر بأن يخرج لنا وزير الاقتصاد والتخطيط ووزير المالية في مؤتمر صحفي (مثل تلك المؤتمرات الجميلة التي عقدت عند تدشين الرؤية 2030) ويقوموا بتوضيح أثر تلك القرارات على الناتج القومي وعلى دخل المواطن ومستوى معيشته ولماذا تم العمل بتلك القرارات؟ وأيهما القرارات التصحيحية أو احترازية للمحافظ على التصنيف الائتماني للاقتصاد الوطني؟ وهل هناك خطر اقتصادي قادم نخشاه ونتقيه ببعض الإجراءات الشخصية والأسرية؟ وما هي السيناريوهات الأسوأ التي قد نواجهها كمجتمع؟ وما تأثير ذلك على المشاريع الوطنية؟ وكم ستستمر تلك الأزمة الاقتصادية؟ وما هي الحلول والخيارات التي تخطط الحكومة لمواجهة الأزمة؟ .......... الخ ، أسئلة كثيرة تدور في فكر المواطن ولا مجيب لها! بل تُرك الموضوع برمّته لاجتهادات المحللين الاقتصاديين (والذين انتعش سوقهم في الفترة الأخيرة في ظل غياب المعلومة الرسمية)!
من ضمن الآراء التي بررت عدم ظهور الوزراء المعنيين بشرح تفاصيل القرارات بأن المملكة ترغب بحفظ مكانها في مجموعة العشرين، وذلك بحفاظها على هدوئها أثناء الأزمة وإدارتها الرشيدة لها بدون إرباك لسوقها المحلي!! ومن المضحك أن يأتي ذلك التبرير في ظل العيش في قرية صغيرة جميع المحطات الإعلامية تعلم عن القرارات وتداعياتها بالتزامن مع علم المواطن التاجر والموظف، والأجدر والأنفع الشفافية في القرارات الحكومية، فهي من يخلق التوازن والهدوء وعدم الارتباك، بل يذهب إلى أكثر من ذلك بأن يكون المواطن شريكا حقيقيا في الرخاء والشدة ومعول بناء وجدار حماية أمام التدخلات الدولية في الشأن الاقتصادي الداخلي عبر وسائل التواصل، وبدون تلك الشفافية المطلوبة قد نفقد جزءا كبيرا من ولاء وانتماء البعض من المواطنين، والذين أثرت عليهم القرارات بشكل مباشر وغيّرت من مستوى معيشتهم، فهو فقد جزءاً كبيراً من راتبه الشهري وكذلك فقد معلومات مهمة عن اقتصاد وطنه فأصبح يتلقف قشور المعلومات من بعض التحليلات المشبعة بالعاطفة الشعبوية.
المجتمع السعودي يسير في مركب منطلق نحو رؤية2030 يحدوه الأمل والشوق برؤية مستقبل وطنه بشكل أفضل وأجمل، وذلك يتطلب منا التعامل بحساسية واحترافية مع كل قرار جديد يؤثر على المواطن سلباً أو إيجاباً، وحتى لا تترك للاجتهادات لابد من برامج تهيئة للمجتمع ومؤتمرات صحفية وخروج متكرر للوزراء المعنيين الذي يخاطبون المواطن العادي ويفسّرون أهمية تلك القرارات لحاضره ومستقبله.
- د.حسان الحقباني