د. حمزة السالم
احتمالية تخفيض الريال هي فرع مُتفرع من احتمالية تعويم الريال. وتعويم الريال أمر مستحيل تقنيًا. فمتى فهمنا سبب استحالة تعويم الريال فنيًا وتطبيقيًا، سهل علينا بعد ذلك فهم سبب امتناع تخفيض الريال. فهو ممتنع تقنيًا واقتصاديًا كذلك.
وفهم سبب استحالة تعويم الريال فنيًا وتطبيقيًا قد يتأتى بسهولة بفهم قاعدة بن سالم وهي: «إن اتباع نظام الربط هو أمر إجباري طبيعي لا اختياري للاقتصاد المركزي أحادي السلعة المتجانسة دوليًا، كالنفط. فاي دولة حلها كحالنا، فالقول في عملتها مثل القول في ريالنا.
تعويم الريال أمر مستحيل التطبيق لأن ذلك يعني عرض الريال السعودي للبيع في سوق العملات. ومن سيشتري الريال؟ إن كان الريال لا يُقدم لمشتريه الدولي أي سلعة ممكن مقايضتها بالريال. فبمجرد تعويم الريال ستنهار قيمته للصفر لعدم وجود طلب عليه. وأما النفط فهو سلعة دولية متجانسة، تجعل الدولار محتكرًا طبيعيًا لها. وفكرة بيع النفط بالريال غير ممكنة أشرحها في مقال آخر.
ومن هنا نستطيع التفرع إلى فهم تخفيض قيمة الريال، وهو فهم متفرع من مفهوم التعويم. فلو قيل إنه حصل واتخذ قرار بتخفيض الريال ليصبح سعر الصرف مثلاً أربع ريالات لكل دولار. فماذا الذي سيحدث؟
الذي سيحدث أن أصحاب الودائع في البنوك سيصابون بالفزع ويتراكضون لإنقاذ ودائعهم وتحويلها لعملة أجنبية. فإن قيل إنه يصدر أمر بمنع التحويلات، فيقال: إن هذا سيكون أسوأ، فهو مجرد إغلاق لفوهة البركان، ولكن الريال يكون قد انتهى.
إذا فلو اعتبرنا فقط ودائع المجتمع التي هي تحت الطلب فقط لوجدناها تزيد عن تريليون ريال. فلو كنا متحفظين وافترضنا أن 80 في المائة من التريليون سيهرب خارج البلاد. فإن هذا يعني انهيار الاحتياطيات النقدية الأجنبية بمقدار 250 مليار دولار في الساعات الأولى، بافتراض سعر الصرف الجديد. وهذا يشكل نصف الاحتياطيات الأجنبية تقريبًا. ثم تكمل اليومين الباقيين على ما تبقى حتى تتخلى مؤسسة النقد عن الدفاع عنه لتصبح قيمته صفرًا. والأقرب للواقع أن إمكانية تلبية تسييل مبالغ ضخمة ستكون مرتفعة الكلفة، إن كان ممكنًا أصلاً. فالاحتياطيات الأجنبية في أصول مالية، من الصعب تسييلها فجأة.
فإن لم تستطع المؤسسة التلبية الفورية لاستبدال طلائع الريال الهاربة بالدولار فهذا يعني انهيار كامل للريال، سيصل بقيمته للصفر.
وهذا يعني 1. تضييع أكثر من ثلاثة تريليونات ريال بلا مقابل. 2. ويعني انهيار كامل للبنوك، ونزول موجوداتها إلى أرقام لا تتجاوز المليارات بدلاً من التريليونات. 3. واضطرار المؤسسة نظريًا، لا تطبيقيًا على إنقاذ البنوك بإصدار ريالات تغطي مقدار السيولة المتطلبة للسوق السعودية. 4. وهذه الأخيرة لن تحدث تطبيقيًا، لأن الريال لن يعود عملة تساوي شيئًا حتى في السوق السعودية. فالسوق ستتعامل بعملات أجنبية. والسوق سيكون مشلولاً ومحدودًا على الضروريات فقط 5. أن إعادة الثقة للريال بعد ذلك تحتاج زمنا طويلاً، وقد لا تعود الثقة له.
الريال السعودي ليس كالجنيه المصري مثلاً أو أي عملة أخرى ينتج اقتصادها سلعًا ولو أنها تكفي كفاف أهل البلد. الريال السعودي لا يقدم حتى السلع الضرورية بمستوى الكفاف. والجنيه المصري على كل حال خارج أكثر التعاملات السوقية ومقتصر على التبادل المحلي تقريبًا. والجنيه المصري قد مر بصدمات متنوعة كهذه، فالثقة به مضروبة أصلاً والتعامل به مقتصر على حاجيات البسطاء.
فالخلاصة أن سبب استحالة التعويم للريال، هو أيضًا سبب امتناع تخفيض قيمته. والفرق بين استحالة التعويم وامتناع التخفيض هو مجرد فرق زمني. فتعويم الريال سيفشل لحظة تطبيقه بافتراض أن يتم هذا التطبيق، مع عدم انهيار مصاحب للاحتياطيات، ولكن تدريجيًا.
أما تخفيض قيمة الريال فسيفشل بعد مدة قصيرة من تطبيقه لأن المؤسسة ستسهلك الاحتياطيات ثم تضطر للتعويم. فاستهلاك الاحتياطيات سيكون أسرع والفشل التام سيكون أبطأ في حال التخفيض للقيمة لهذا لن تقدم المملكة على هذا الإجراء.
ولذا فلا يتوجس أحد ولا يتأثر بتحليلات ساذجة غبية الأجنبية منها خاصة، لأن الأجانب لا يدركون بعمق حقيقة الاقتصاد السعودي. هذا إن لم تكن التنبؤات التي تزعم خفضًا لقيمة الريال، مغرضة. ووالله إني من أعلم الناس في هذا الموضوع، وهو مجال تخصصي الدقيق، وقد كافحت كثيرًا في رسالة الدكتوراه وتنقلت في الموضوعات المتعلقة بهذا الموضوع، وأصبحت أستاذًا زائرًا في جامعة حنوب كالفورنيا بسببه وإما لم أتخرج بعد. فوالله لقد صدقكم بن سالم عن علم ومعرفة ولم يخف عنكم شيئًا.