د. خالد محمد الصغِّير
قبل سنوات قليلة مضت، وتحديداً في يوم الاثنين الموافق 28-5-1432 أقرَّ مجلس الوزراء الموقر في جلسته الأسبوعية المعتادة تدريس اللغة الإنجليزية في الصف الرابع من المرحلة الابتدائية بصفتها مادة أساسية يسري عليها ما يتم تطبيقه على جميع المواد الأخرى على أن يتم النظر في إمكانية تدريسها حتى في المراحل الدنيا متى تهيأت كافة المتطلبات للقيام بذلك. وقبل الخوض في تداعيات هذا القرار، وأثره التعليمي المتوقع على المستوى التحصيلي للغة الإنجليزية يجدر بنا العودة لتقليب صفحات التاريخ بدءاً من إقرار تعليم اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية في 1424 (2003) وما صاحبه من نقاش محلي ساخن تولى دفته بعض المختصين والمنافحين عن اللغة العربية بشكل خاص والذين رأوا ضرراً سيحل لا محالة على خلفية إقرار تدريسها في هذه المرحلة المبكرة على تعلم اللغة الأم، وآخرون رأوا أنه سيكون لذلك أيضاً انعكاس ثقافي وفكري سلبي، وعلى الطرف الآخر حاول بعض المراقبين الغربيين وحتى المهتمين بالشأن السعودي إقليماً تقديم قراءة لقرار إقرار تدريسها في هذه المرحلة التعليمية المبكرة مفاده أن ذلك تم نتيجة للضغوط العالمية التي طالبت بتحسين مناهج التعليم السعودية على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدامية، ومنها في هذا الإطار المقالة المشهورة التي نشرت في عام 2003 لكاتبة الواشنطن بوسط سوزان قلاسير (Susan Glasser) والتي هيأت لظهور توجه جديد تمت استخزاله في العبارة المشهور (مزيداً من تعليم الإنجليزية في مقابل قليل من التعليم الديني) (More English, Less Islam) في محاولة للإيحاء بأن دول الخليج العربي والسعودية تحديداً استجابت للضغوط العالمية والأمريكية على وجه الخصوص وبدأت تعطي مساحة وأهمية أكبر لتعليم اللغة الإنجليزية في مناهج التعليم العام في تلك الدول على حساب الكم المعطى للتعليم الديني والدراسات الإسلامية.
وكان للقيادة السعودية، وبخاصة مسيري الشأن التعليمي تفسيرات أخرى تمثلت بأن إقرار تدريسها في المرحلة الابتدائية كان لاعتبارات أخرى تمثلت في المقام الأول في محاولة لإيجاد حل ومعالجة لمعضلة ضعف الطلبة السعوديين في اللغة الإنجليزية من منطلق أن الدراسات اللغوية تؤكد أن نسبة النجاح، والسرعة، وكفاءة التحصيل اللغوي في تعلم اللغة الأجنبية تبدو أكبر من تأخير تعلمها في مرحلة عمرية متقدمة؛ وذلك نظراً لأن الطفل ما بين الخامسة والثانية عشرة أقدر على استقبال المعلومة وتخزينها، نتيجة المرونة التي تتحلى بها الخلايا الذهنية وجاهزيتها للتوسع المعلوماتي، وأنه كلما زادت سنوات دراسة اللغة الإنجليزية زادت فرصة إتقانها نظراً لتوافر مزيد من فرص التطبيق والممارسة. والقرار كذلك يأتي ضمن المحاولات المستمرة لتطوير التعليم وإحدى مناحي الخطة الإستراتيجية لتطويره، ومحاولة تزويد المواطن السعودي بالمهارات الضرورية المتزامنة مع متطلبات واستحقاقات المرحلة الحالية التي تتطلب الأخذ بالأسباب المؤدية لمواكبة الركب الحضاري والتكنولوجي. كما أنًّ قرار تدريسها في المرحلة الابتدائية أتى في ظل التعاطي مع الواقع الذي أصبحت معه اللغة الإنجليزية اللغة العالمية الأولى، والأكثر والأسرع انتشاراً، وهي لغة العلم والتكنولوجيا، كما أنها تعد المدخل الحقيقي للحصول على المعلومات التي تعد أساس التقدم والتطور سواء أكان على المستوى الشخصي، أو العام، ولارتباطها بمعظم العلوم العصرية وبالجملة فهي في واقع الحال الفاعل الرئيس في عصر العولمة، والتقنية، والانفجار المعرفي العالمي، والتحولات السياسة المتسارعة، والعلاقات الاقتصادية الدولية المتنامية، ومن هنا كان إقرار تدريسها في المرحلة الابتدائية منطلقه فوائد إستراتيجية عليا، وأخرى تربوية تعليمية. وذلك كله يأتي أيضاً في ظل حقيقة أن تعليم اللغة الإنجليزية في السعودية ظل يراوح مكانه بالرغم من أنه أقر تدريسها ضمن مقررات التعليم بالتزامن مع إنشاء مديرات التعليم عام 1923 متزامناً مع بدء التدريس النظامي للسنوات الثلاث الأولى، تلتها أربع سنوات أخرى تمثل المرحلة الابتدائية التي أقرت عام 1928وحينها تم تدريس اللغة الإنجليزية بواقع أربعة أيام في الأسبوع. وكانت أيضا أحد مقررات المرحلة الثانوية التي أنشئت عام 1957 وتم تدريسها فيها بواقع إحدى عشرة ساعة في الأسبوع، وعند إنشاء المرحلة المتوسطة في عام959 التي أنشئت لتمثل مرحلة الانتقال بين المرحلتين الابتدائية والثانوية تم تدريس اللغة الإنجليزية فيها بواقع ست ساعات ثم في عام 1963 تم زيادتها إلى ثمان ساعات، واستقر الحال على أربع ساعات منذ عام 1980 إلى يومنا هذا. وبالرغم من المدة الممتدة لما يفوق الثمانين عاماً فإن المستوى اللغوي للطالب السعودي في اللغة الإنجليزية لا يرتقي للمأمول والذي أكدته نتائج الطالب السعودي في الاختبارات المعيارية العالمية مثل اختبار التوفل (TOEFL )، واختبار الايلتس (IELTS)، وغيرها والتي تشير تقارير نتائجها لعام 2015 على أن درجات الطالب السعودي فيها الأقل عالمياً وفي الشرق الأوسط كذلك على المستوى الكلي للاختبار وبالنظر لكل مهارة لغوية على حدة. فعلى سبيل المثال بلغ المتوسط العالمي للممتحنين في اختبار التوفل في مهارة المحادثة 20 ومتوسط الطالب السعودي 18، وفي اختبار الايلتس بلغ المتوسط العالمي 5.9 بينما بلغ متوسط الطالب السعودي 5.5.
وحتى يكتب لهذه الخطوة النجاح لابد من الأخذ في الحسبان جملة من القضايا والتي يأتي على رأسها ضرورة تكريس الجهود لإعادة صياغة نظرة الطالب السعودي تجاه عملية تعلُّم اللغة الإنجليزية التي يتترس حولها ويتصرف بموجب مقتضياتها فقادته في نهاية المطاف ليصبح معها تاجر درجات ليس إلاّ. وهذه النظرة القاصرة تقوّض أية جهود سوف تبذل لجعله ممتلكاً لمهارات اللغة الإنجليزية مروراً بـتأهيل معلمي اللغة الإنجليزية تأهيلاً كافياً، وإعداد منهج مناسب في كل جزئية من عناصره التكوينية المتضمنة للمنهج، وطرائق التدريس، والبيئة التعليمية إلى جانب أمور واحتياجات فنية وتعليمية وبشرية أخرى ذات علاقة.
وكما أنها معول هدم لما يمكن عمله في هذا الإطار نجد أن هذه النظرة القاصرة تقود أيضاً إلى نتائج سلبية أخرى ضمن دائرة العامل النفسي والنظرة المسبقة السلبية نحو تعلُّم اللغة الإنجليزية؛ إذ نجد أنًّ لها أثراً سلبياً كبيراً على الاستعداد النفسي والذهني والإرادة لدى متعلم اللغة الإنجليزية في مراحل التعليم العام لدينا، وكذلك نجدها تزيد من مقدار الخوف من الإقدام على تعلمها، وتعزز من الشعور بعدم القدرة على الحديث بها، كما أنها تساهم في إبداء قدر ضئيل من الاستعداد، والجدية، والرغبة، والإقبال على تعلمها والسبب في ذلك يعود في المقام الأول إلى شعوره بأنها ليست ذات أولوية مهمة في حياته.
وبالتزامن مع هذا القرار الوزاري نجد أن متعلم اللغة الإنجليزية السعودي النشء يحتاج إلى تصحيح موقفه السلبي تجاه تعلم اللغة الإنجليزية المرتكز على تحصيل درجات تكفي للنجاح في المادة عن طريق القيام فقط بحفظ قواعد اللغة الإنجليزية، وبعض النصوص، والكلمات من أجل تجاوز الاختبار النهائي؛ وذلك من خلال القيام بعدد من الإجراءات التي منها التفكير جدياً في طريقة تعليمية جديدة تقوم على تبني مقاييس محددة تهدف إلى تنمية مهارات الطالب بعيداً عن تحويله إلى تاجر درجات، وكذلك محاولة تشجيعهم وترغبيهم لتعلمها من خلال استخدام وسائل شائقة وممتعة، واستخدام مناهج تمتاز بالبساطة والتشويق، وإعادة النظر في أسلوب التدريس بحيث يتم الابتعاد عن الأسلوب التلقيني، والتركيز على تقديم معلومات وكم معرفي مجرد من غير إشراك فاعل للطالب في عملية تعلم اللغة الإنجليزية، ومن دون إعطاء مساحة أكبر للجانب المهاري التطبيقي، وإتباع طرق يكون التركيز فيها على الرفع من مهارات التواصل أكثر من الإغراق في شرح قواعد اللغة. وإضافة إلى ذلك فالأنشطة الصفية يجب أن تصمم بحيث تتيح للمتعلم فرصة الحديث باللغة الإنجليزية داخل الصف، وتهيئ له فرص المشاركة والتفاعل في مختلف الأنشطة الفردية منها، والثنائية، والجماعية، وأن تشيع أثناء ذلك كله أجواء طبيعية بحيث يستطيع الطالب خلالها استخدام اللغة للتواصل الواقعي في مختلف الأغراض، وفي مختلف المواقف.
وهذا يتطلب أيضاً الإيضاح للطالب أهمية وفائدة عملية تعلم اللغة الإنجليزية لكونها أداة تمكنهم من مواصلة تعليمهم الجامعي في التخصصات العملية، ولكونها عاملاً مهماً لتأمين مستقبل وظيفي أفضل، ولإدراكهم أن معرفتها بمثابة نافذة تُمكنهم من الاطلاع ومعرفة ما يجري من حولهم في العالم. كما يجب الإيعاز بشكل مباشر للطالب أن عليه يقوم بجهد ذاتي لمواصلة تعلًّم اللغة الإنجليزية.
ومما ينبغي القيام به أيضاً حث أولياء الأمور ليكون لهم دور إيجابي في هذا الاتجاه؛ وذلك لأن رغبة الطلاب، وتفاعلهم مع تجربة تعلم اللغة الإنجليزية، وإدراكهم لأهمية تعلمها تتأثر سلباً جراء ضعف تشجيع ودعم أولياء الأمور لأبنائهم، كما أن المستوى التحصيلي للطلاب في اللغة الإنجليزية يرتفع بارتفاع المستوى التعليمي للأبوين، وإنه في حالة قناعتهم بأهميتها ينعكس ذلك إيجابياً على مستوى تحصيل أبنائهم اللغوي. وإلى جانب ذلك نجد أن مما يعيق إقبال الطلاب على تعلُّم اللغة الإنجليزية، وقبولهم للاستمرار في الإقدام على تعلمها بحماسة ورغبة مرده التذبذب الملحوظ في مفهوم تعليم اللغة الإنجليزية، وأهميتها في البيئة المحيطة بالطالب بما في ذلك إدارة المدرسة، والمعلمين، وأقران وأقرباء الطالب.
ومن هنا تبرز أهمية العمل بكامل الإمكانات والقدرات من أجل تغيير النظرة القاصرة التي ينظر من خلالها الطالب السعودي لمادة اللغة الإنجليزية، كما أن ذلك أيضاً يظهر أن الاستعداد النفسي يلعب دوراً رئيساً في نجاح، أو فشل تجربة تعلم اللغة الإنجليزية. فالطالب السعودي المقدم على تعلُّم اللغة الإنجليزية وفي ذهنه العديد من التصورات والمواقف التي أوحت له بمدى صعوبة واستحالة تعلمها يؤدي لا محالة بمن هم مقدمون على تعلمها إلى فقدان الثقة بقدرتهم على تعلمها وإتقانها، وفي الوقت نفسه يجعل من الخطط والبرامج المزمع القيام بها ذات جدوى محدودة إن لم يكتب لها الفشل في مهدها قبل أن ترى النور على أرض الواقع. إذاً نحن أمام مفترق الطرق إما نغير من واقع الحال، وإن ارتضيناه واستمررنا على ما نحن عليه فسنكرس ضعف طلابنا في اللغة الإنجليزية وبذلك نكون أغفلنا البعد الإستراتيجي لتطوير ذواتنا، واكتسابنا الخبرة المطلوبة في عصر العولمة والتقنية الحديثة المرتكزان على اكتساب اللغة العالمية الأولى، وإتقان مهارة استخدامها.