الرياض -خاص بـ«الجزيرة»:
تزخر بلادنا - ولله الحمد- بالآلاف من المتخصّصين في العلوم الشرعية، وعلى الرغم من تزايدهم في مختلف العلوم الشرعية وتنوّعها إلا أنّ حضورهم العلمي في وسائل الإعلام قليل جداً. وإذا قيس بكثرة عددهم.
«الجزيرة» ناقشت هذا الغياب والعزوف من قبل المتخصصين الشرعيين لنشر تعاليم الإسلام ووسطيته السمحة، لتصحيح بعض المعتقدات الخاطئة في المجتمع.
العزوف عن المشاركة
بدايةً يقول الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى أنّ القطع بالحكم بعزوف الأكثرين عن المشاركة الإعلامية والدعوية أمر يحتاج إلى تدقيق أكثر، في نظري أن هناك عزوفا حقاً لكن ليس بالشكل الذي يصوره التساؤل ولدينا حقاً مشكلة في الظهور الإعلامي والسبب فيها ليس منحصراً في العزوف عن المشاركة بل لها أسباب أُخر منها:
عدم ترحيب الإعلام نفسه باستقطاب الدعاة والمشايخ وطلبة العلم، بل إني أعرف من طلبة العلم الذين لا يعابون في علمهم أو قدراتهم اللغوية أو وطنيتهم لا يرحب بهم الإعلام لذلك كان على من يريد الظهور الإعلامي من طلبة العلم المتخصصين أن يبذل جهوداً مضاعفة كي يحقق البروز ويكون له تأثير إيجابي في المجتمع، وفي وقتنا الحاضر الذي قويت فيه الحرب على المنهج السلفي وجب على إعلامنا تلافي هذه المشكلة واستدراك هذا القصور فإن الدعوة السلفية هي أحد أسرار قوة المملكة العربية السعودية ونجاح الأعداء في محاربتها يُعد إصابةً لبلادنا في مقتل لا سمح الله.
موجودون بكثرة!
ويخالف الدكتور عبدالله بن ناصر الحمود أستاذ الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرأي بقوله: أولاً.. لا أظن أن حضورهم محدود فهم من أكثر الموجودين في وسائل الإعلام الجديد وشبكات التواصل.
أما في الإعلام التقليدي فهم أيضا حاضرون في الفضائيات والصحف والإذاعات، والإسلاميون من الفئات النوعية المحدودة التي تمتلك قنوات خاصة وصحفا وإذاعات.
أما موضوع مشاركتهم في الإسلام الوسطي.. فلا يزال الإسلام الوسطي دون تعريف ولا تحديد دقيق كل يدّعيه، وأعتقد أن القاعدة وداعش يدعيان أنهما مثال للإسلام الوسطي، وكذا نفر من اللبراليين والعلمانيين في العالم الإسلامي.
ثانياً في الحقيقة.. أظن أنه لا جدوى من محاولة البحث عن وسطية الإسلام في وسائل الإعلام.. علينا أن نبحث عنها في بطون الكتب ومنابر المساجد.
اتركوا الكسل
واستذكر الدكتور سليمان بن عبدالله العيدي وكيل وزارة الثقافة والإعلام المساعد لشؤون التلفزيون السابق الكلمات التي أطلقها الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عندما التفت في مجلسه ذات يوم موجهاً كلامه للعلماء وأهل الفكر والرأي متسائلاً أين دوركم أيها العلماء اتركوا الكسل وجاء بعدها سؤال طرحته وسائل الإعلام حول هذا الموضوع ولكن الجزيرة اليوم تطرح سؤالاً مهماً ما سبب عزوف العلماء عن نشر الإسلام وصورته الصحيحة وقد انْبرى لهذا التساؤل الخطر جهات عدة منها الجهات العلمية من الجامعات وعلماء الأمة الذين يعّول عليهم مثل هيئة كبار العلماء لإصدار بيانها في حينه عندما تكشّفت خيوط الإرهاب والفتنة الضالة فجاء العلماء على مستوى المسؤولية من هذه الأحداث ثم بدأ التراخي شيئاً فشيئاً حتى رأينا حاجة الأمة إلى مزيد من الطرح والنهوض بمسؤولية الدعوة على مستوى العلماء وأهل الحل والعقد الشرعيين منطلقهم في ذلك حديث معاذ رضي الله عنه عندما كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم وسأل معاذاً سؤالاً أوضح فيه مهمته كداعية وأن مسؤوليته هو تبليغ العلم فقال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أفلا أخبر الناس قال قال فيتَّكلوا .. ولكنه أخبر بذلك قبل وفاته مخافة كتمان العلم وعلى الأمة العلم التأسي بمثل هذا الموقف الصحابي الذي ارتحل مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودار الحوار بينهما حول حق العباد على الله وحق الله على العباد حتى وصلنا إلى هذا الموقف الذي يستفاد منه بلاغ الأمة وبيان الحق من قبل علمائها وحول المسؤولية التي تتجلى في الحديث النبوي من كتم علماً ألجمْه الله لجاماً من نار وهنا يَبْرز دور علمائنا تجاه العلم الشرعي والتصدي للحملات المغرضة التي يتعَّرض لها الإسلام والمسلمون في أصقْاع الدنيا ولن يعود للدين مجد ولن ينبلج له نهار ما لم ندرك كيف حمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مشعل الإسلام وأضاء به جوانب الدنيا برجال عاهدوا الله على رفع راية التوحيد وأنار قلوب العارفين به سبحانه وتعالى لقد رسم المصطفى- صلى الله عليه وسلم- لرسالته خطاً بدأه بالهجرة حتى توفاه الله عليه الصلاة والسلام إذ قام بتحقيق ما يكفل استمرارية هذا الدين ودعوته وتحمل أهله وأتباعه من بعده ولهذا استمر المنهج النبوي وسار عليه المسلمون عبر الحضارة الإسلامية قاطبة وعبر القرون المفضلة وما بعدها حتى عهد هذه الدولة السعودية التي حملت لواءالدعوة قولاً وعملاً وبشتى الوسائل والطرق المنبرية ومجالس العلماء والندوات وإنشاء المحطات الدعوية لتنوير جيل اليوم والحضارة الإسلامية وانتصاراتها حتى وصلت شرقاً وغرباً ثم تولى قيادة الدعوة علماؤنا الأفاضل وفق تنوع الأساليب ومناهج الدعوة وإستغلالها لوصول الإسلام إلى أقاصي الدنيا والتي برهن الدعاة من خلال مسيرتهم على قوة الرسالة وحفظ الله لهذا الدين مهما غابت الجهود وتخاول المختصصون في الشأن الدعوي إلاّ أن فاتحة الخير وبريق الإيمان لن يزول، وهذا وعد إلهي يتحقق مهما ضعف الداعي أو تكاسل المهتمون بالدعوة وذلك بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فالدين باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها والدعاة عبر المراحل التاريخية تنوعوا في أساليبهم حتى خرجت لنا المدارس المتنوعة في فنون الدعوة لكنه وعبر مرور الزمن يتبادر إلى أذهاننا سؤال يحق لصاحبه الحصول على الإجابة لماذا فترت المهمة لدى علماء الأمة منذ أن فُتحِتْ الدنيا علينا هل العزيمة مازالت أم أنه الوهن الذي حذَّر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي أن الأمر يكون مرة هذا ومرة ذاك وعلاجها هو وقفة تأمل مع دور علمائنا تجاه بيان الوسطية عبر الوسائل المختلفة منبرية كانت أو إعلامية أو عبر أخلاقيات المسلم نفسه وكل له بالتأكيد نتيجة مستمرة ملموسة، وهذا ما قام به دعاتنا الأوائل والذين برَهنوا لنا أن النصر مع الصبر والذي صبر على الهجرة حتى توفي- عليه الصلاة والسلام- أشرقت الدنيا بنوره ورسالته قادر بإذن الله أن يحقق لعلمائنا التمكين العلمي والبيان والحجة أمام تيارات الإلحاد وصفوف المرتزقة من دعاة الضلال حتى يتحقق فينا لاتزال طائفة من أمتى على الحق منصورة إلى قيام الساعة وهذه الطائفة تتأكد بتطبيق منهج النبوة بالصدع في الدعوة من جديد والجهر بها أمام كل وسيلة تصل إلى الدنيا كلها بإذن الله وهو يكون علماؤنا قد عادوا للمنهج الصافي الحنيف وهو ما كان عليه نبي الرحمة وسلف الأمة والعلماء الربانيون لتبدأ حياة جديدة تنهض بهمة الأمة من خلال علمائها.