عندما كنت طفلة طلبت مني المعلمة أن آخذ الطبشورة وأرسم أول شيء يرد في ذهني لغاية في نفسها، فرسمت «فستان».. فقالت لي: ستكونين خياطة ماهرة في المستقبل، كبرت ولم أفقه شيئاً عن الخياطة؛ لأن معلمتي لم تعلم أنني اخترت هذه الرسمة ليطول وقوفي أمام السبورة، وإلا لتكهنت أني سأصبح معلمة.
كبرت وبين مقاعد الدراسة سبقتني عمراً معلمة بداخلي، كنت بظاهري طالبة نجيبة وبجوهري معلمة ناقدة لتصرفات زميلاتها المعلمات اللاتي حصلن على منحة التدريس قبلها.. دونت كل أخطائهن وعاهدت نفسي على تصحيحها يوماً ما.. وجاء ذلك اليوم وأصبحت معلمة لطالبات المرحلة الجامعية.
اعتدت في أول محاضرة أقول: أعلم ما توددن سماعه وأعلم ما يدور في أذهانكن وعليه سأكون لكن أختاً وصديقة قبل معلمة، وسأُسمعكن المسموح قبل الممنوع، وسأمنحكن قدراً من الحرية لتستشعرن جمال المرحلة الجديدة التي انتقلتن لها والتي تعطي الحرية المترتب عليها إحساس بالمسؤولية.
حرصت في أول محاضرة أن أعيد ترتيب أولويات الطالبة فمن الاهتمام بتحصيل الدرجات إلى الاهتمام بالتحصيل العلمي أولا، وعليه يأتي الاهتمام بالمعدل والدرجات، لأن الحصول على الأولى يضمن بإذن الله الثانية، وقد لا قيت إقبالاً كبيراً على هذه الفكرة من طالباتي وحرصهن على الحصول على المعلومة الصحيحة والتركيز بشكل عالي أثناء الشرح، فبات الاختبار تحصيل حاصل، لأن المعلومة وصلت إليهن ليحتفظن بها مدى الحياة، لا معلومات تنثر على ورقة بمجرد الخروج من قاعة الاختبار تُنسى.
في أول محاضرة أضع بذهني أني أُعلّم و أتعلم من طالباتي لأن الإنسان في كل يوم يتعلم درساً جديداً. أتعلم منهن أن الاعتراف بالخطأ لا يقلل من قيمة المعلم، وأن الدرجة العلمية لا تعني درجة علو على البشر، فالكل سيان، وأن العلم لا يعترض الأخلاق بل يكملها ومتى ساءت الأخلاق من متعلم أكسبته جهلاً.
أتعلم منهن أن الحب والاحترام سيد الموقف في العلاقات الاجتماعية وعلى رأسها علاقة الطالبة بمعلمتها.
في أول وآخر محاضرة أدعو الله أن أكون ذكرى جميلة في أذهان الطالبات.
- منسقة أكاديمية للمهارات اللغوية بجامعة الإمام محمد بن سعود