مسقط - واس:
تحتفي سلطنة عمان غدًا بالذكرى السادسة والأربعين ليومها الوطني، وهي ذكرى تحمل في ثناياها عبق المنجزات الحضارية الباهرة وأرفع معاني الفخار والعزة والانتماء والولاء على امتداد ربوع أرض عُمان الغالية التي بلغت في ظل القيادة الحكيمة للسلطان قابوس بن سعيد أسمى مراتب المجد والنماء والأمن والأمان.
قبل ستة وأربعون عاماً وعد السلطان قابوس في خطابه التاريخي الأول عام 1970م بإقامة الدولة العصرية فأنجز ما وعد بتوفيق وفضل من الله وبحكمة مستنيرة استلهمت قيم الماضي وتطلعات المستقبل، وطوال السنوات الماضية نعمت عُمان بمنجزات عديدة ومتواصلة شملت مختلف مجالات الحياة وعلى نحو يحافظ على أصالتها وعراقتها، ويكرس قيمها ويعتز بتراثها ويواكب تطورات العصر في ميادين العلم والمعرفة، ويستفيد من التقدم الإنساني في شتى الميادين.
وبمشاعر فخر واعتزاز وامتنان لباني نهضة عمان الحديثة السلطان قابوس بن سعيد يحرص أبناء الشعب العماني الوفي على التعبير عن عميق الحب والولاء والعرفان مجددين العهد والولاء للسير قدمًا تحت رايته وخلف قيادته الحكيمة.
لعل أبرز ما يمّيز مسيرة النهضة العمانية الحديثة أن السلطان قابوس أرسى منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد أسس ودعائم الوحدة الوطنية بوصفها ركيزة راسخة طلق منها وترتكز عليها جهود التنمية المستدامة في شتى المجالات، وإعلاء قيم العدالة والمواطنة والمساواة وحكم القانون وتدعيم أركان دولة المؤسسات التي ينعم فيها المواطن والمقيم بالأمن والأمان، وتتحقق فيها للجميع أجواء الطمأنينة وصون الحقوق في ظل حكم وسيادة القانون، وشكلت الثقة السامية العميقة في قدرات المواطن العماني على المشاركة الإيجابية والواعية في صنع القرارات وفي صياغة وتوجيه التنمية الوطنية حافزًا كبيرًا للمواطن العماني على المشاركة وممارسة حقوقه السياسية التي كفلها النظام الأساسي للدولة منذ عشرين عامًا مضت، وقد انعكس ذلك بوضوح في تطور مسيرة الشورى العمانية، وفي هذا الإطار يقوم مجلس عمان بجناحيه (مجلس الدولة ومجلس الشورى) بدور حيوي، بالتعاون مع الحكومة، في ظل الصلاحيات والاختصاصات الواسعة التي يتمتع بها، بدوره التشريعي والرقابي لصالح الوطن والمواطن. وتجدر الإشارة إلى أن محافظات السلطنة تستعد لإجراء انتخابات أعضاء المجالس البلدية للفترة الثانية (2017 - 2020) في 25 ديسمبر القادم.
ومع أن السلطنة تؤمن بالسلام وتعمل من أجل تحقيقه فإن قوات السلطان المسلحة والحرس السلطاني العماني وشرطة عمان السلطانية تقف على أهبة الاستعداد للذود عن تراب الوطن وحماية مكتسبات النهضة المباركة سيما أن السلطان قابوس بن سعيد القائد الأعلى للقوات المسلحة يحيطها دوماً برعايته السامية وعلى نحو يوفر لها كل ما تحتاجه من عدة وعتاد للقيام بواجبها ودورها الوطني مع العناية التامة بمنتسبيها قادة وضباطًا وجنودًا أو بما يحقق كفاءة عالية في الأداء وفق البرامج المحددة لذلك.
ومنذ فجر النهضة المباركة في عام 1970م تتابعت خطط التنمية الخمسية منذ خطة التنمية الأولى (1976 - 1980) وعلى امتداد ثماني خطط متتابعة، حيث بدأت هذا العام خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016 - 2020) بعد ارتفاع مُعدَّلات النمو في كافة القطاعات، حيث استخدمت الحكومة إيرادات النفط والغاز بشكل خاص لتحقيق التنمية وتشييد البنية الأساسية وبناء ركائز اقتصاد وطني قادر على النمو والتفاعل مع التطورات الإقليمية والدولية، والاستجابة أيضا لمتطلبات تحقيق مستوى حياة أفضل للمواطن العماني أينما كان على امتداد أرض عمان الطيبة مع تحقيق تطّور مستمر في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعمل في الوقت ذاته على تنويع مصادر الدخل القومي والحد من الاعتماد على عائدات النفط والغاز بقدر الإمكان. وكانت خطة التنمية الخمسية الثامنة (2011-2015) من أكبر تلك الخطط من حيث المشاريع المعتمدة لأنها ركزت على استكمال قطاعات الهياكل الأساسية ومنها الطرق والمطارات والموانئ، والخدمات الأساسية في محافظات السلطنة المختلفة.
ولتخطي الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الانخفاض الحاد لأسعار النفط قامت الحكومة ومؤسسات الدولة المختصة بتقييم الأوضاع من أجل إيجاد حلول عملية تأخذ في الحسبان العديد من الاعتبارات المناسبة والقابلة للتطبيق وهي حلول روعي فيها عدم التأثير على الجوانب الحياتية للمواطنين وما يقدم لهم من خدمات أساسية وفقا للتوجيهات السامية.
وأكدت الحكومة أن تعاطيها مع الانخفاض الحالي لأسعار النفط لن يؤثر على سياسات التعمين والتوظيف وبرامج التدريب والتأهيل في القطاعين العام والخاص وما يتعلق بمستحقات الموظفين والعاملين في الدولة، بوصفها ثوابت أساسية تعكس الحرص على توفير أفضل سبل العيش الكريم لأبناء هذا البلد المعطاء.
واتخذت الحكومة عدة إجراءات للحد من آثار انخفاض أسعار النفط وكان لتعاون الشعب العماني أثره البالغ في نجاحها في تحقيق الهدف منها. وتتواصل هذا الإجراءات وفق برامج وخطط محددة على أسس سليمة.
وفي هذا الإطار تعمل الحكومة على تشجيع الاستثمار والمستثمرين المحليين والأجانب، وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية الكبرى والمشاريع الإنتاجية لتنويع مصادر الدخل ودفع القطاعات غير النفطية، وتفعيل دور القطاع الخاص وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والعمل على الاستفادة من المقومات السياحية للسلطنة ومن موقعها الجغرافي الفريد، مع الحفاظ على أفضل مناخ جاذب للاستثمار.
وفي الوقت الذي انخفضت فيه قيمة صادرات السلطنة من النفط الخام كما تشير الإحصائيات خلال سنوات الخطة الخمسية الماضية (2011 - 2015) وتراجع صادرات السلطنة غير النفطية إلا أن استمرار الإنفاق على المشاريع ساعد على تحقيق ارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي من 26.121 مليار ريال عُماني بالأسعار الجارية في العام 2011م ليصل إلى 26.850 مليار ريال عُماني في عام 2015م مُعتمدًا على التعويض من القطاعات غير النفطية وعليه ارتفعتْ مُساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي عام 2015 م إلى 71.4 %؛ منها 1.6 % للزراعة والأسماك، و 19.8 % للأنشطة الصناعية (والتي يدخل فيها التعدين بمقدار 0.5 %)، وكذلك 49.9 % للأنشطة الخدمية (والتي يدخل فيها نشاط الفنادق والمطاعم بحوالي 0.9 %، إضافة إلى نشاط النقل والتخزين والاتصالات بمقدار 5.8 %).
واستمرت حكومة السلطنة، رغم تأثير انخفاض الإيرادات الحكومية المعتمدة بشكل كبير على الإيرادات النفطية، في الصرف في مجال الخدمات لمقابلة الزيادة في السكان والتوسع في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال زاد إنتاج الكهرباء من 21350 جيجاوات-ساعة في عام 2011 إلى 32100 جيجاوات-ساعة في عام 2015 م، بينما زاد إنتاج المياه من 242 مليون متر مكعب في عام 2011 م إلى 300 مليون متر مكعب في العام 2015. وزاد عدد الركاب القادمين عبر مطاري مسقط وصلالة من 3.528 مليون والمغادرين من 3.386 مليون في عام 2011م، ليصل إلى 5.708 مليون و5.598 مليون راكب على التوالي في العام 2015م، وقد زاد عدد منتفعي خدمة الإنترنت من 89000 مستخدم في عام 2011 م إلى 236000 مستخدم في عام 2015م.
وبدأت السلطنة مع مطلع هذا العام تنفيذ خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016 - 2020) في ظل تحديات ماثلة وأوضاع اقتصادية غير مُعتادة تواجهها البلاد.
كغيرها من الدول المنتجة للنفط والمعتمدة على عائداته خاصة مع انحسار مساهمة النفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي، والذي كان ولايزال مصدرًا أساسيًا للدخل. وفي حين حرصت الحكومة على الاستمرار في إكمال المشروعات الكبيرة، صناعية، وسياحية، وخدمية، والاستمرار في تشغيل الباحثين عن عمل، فإنها حرصت على الحفاظ على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين ولذا فإنها عملت على تخفيض المصروفات الحكومية وإيجاد سبل وبدائل للحد من العجز في الميزانية مع السعي لإيجاد الحلول الاقتصادية ودفع المؤسسات الحكومية لتقديم خدمات أفضل وأسرع وإيجاد شراكات طويلة المدى مع القطاع الخاص، مع التركيز على القطاعات الواعدة الخمسة التي حددتها الخطة الخمسية التاسعة.
وتم في هذا الإطار إعلان مشاريع محددة قدرت تكلفتها بحوالي 9 مليارات ريال عماني تم الالتزام منها بحوالي 50 بالمائة وهي مشاريع قيد التنفيذ ويتوقع الانتهاء منها خلال العام الجاري 2016 م والعامين القادمين، وتستحوذ مشاريع الطرق والمطارات والموانئ على 50 بالمائة من مجمل المشاريع إلى جانب المشاريع في القطاعات الأخرى مثل الكهرباء والمياه والإسكان والموانئ والمناطق الحرة في صحار وصلالة والدقم، بالإضافة إلى تعزيز قدرة القطاع السياحي على استقطاب المزيد من السياح ورجال الأعمال. وقد تم افتتاح الصالة الرئيسية لمركز عمان الدولي للمعارض والمؤتمرات الشهر الماضي بمساحة إجمالية تبلغ 22 ألف متر مربع، ويعد المركز جزءا من المرحلة الأولى لمدينة العرفان إضافة إلى مشروع الواجهة البحرية بميناء السلطان قابوس الذي يتوقع الكشف عن الفرص الاستثمارية فيه قبل نهاية العام الحالي 2016م.
وفي قطاع الصحة حققت السلطنة طوال السنوات الـ 46 الماضية إنجازات ملحوظة في التنمية الصحية خاصة في انتشار المؤسسات الصحية في كافة محافظات وولايات السلطنة وفي تحقيق معدلات متقدمة في مختلف جوانب الخدمات الصحية الأولية والتخصصية التي يتم تقديمها مجاناً للمواطنين، وقد أشادت منظمة الصحة العالمية بهذه الجهود في مناسبات عدة، حيث وضعت وزارة الصحة رؤية مستقبلية للنظام الصحي ( الصحة 2050 ) تهدف إلى تطوير النظام الصحي على مدى السنوات المقبلة من خلال إنشاء نظام صحي واسع وفعال قادر على تحقيق أفضل معدلات الرعاية الصحية لكل شرائح المجتمع.