كتب - محمد المنيف:
الحديث عن الفنان محمد الثقفي وإبداعاته في مجال النحت يحتاج إلى امتلاك القدرة على الغوص في أعماق تلك الأعمال، ويسبقها بمعرفة أكثر بمنفذها الفنان محمد. وفي كلتا الحالتين لن يستطيع من يقدم على الكتابة عن هذا الفنان إلا الشعور برغبة في كيفية تعامل هذا الفن مع إبداعه، بدءًا من التقاط الخامة (الحجر) من بين الكثير من القطع في الطبيعة.
فمن الصعب على المتلقي في مختلف المعارض التي شارك بها أو أقامها الفنان الثقفي أن يتخطى أو يتحاشى المرور بها أو التغاضي عن الإعجاب بها. فالفنان محمد الثقفي يعتمد في تنفيذ العمل على ما يجب أن يحتويه العمل من تفاصيل البناء، بدءًا بالخطوط التي تحيط بالكتلة التي روض وجمع علاقتها بالفراغ سابقًا، وذلك بالولوج في مشاعر العاطفة بينه بين إبداعه حتى لو أغمض عينيه على أحلام، استطاع أن يحيلها إلى واقع ملموس ومحسوس، يحمل الكثير منها وبتنوعها المتعدد مازجًا الهدف الموضوعي والجمالي، اصطادها في لحظة التنفيذ مخططًا ما ستكون عليه بعد نهايتها، لحظة يمتزج فيها الخيال بالواقع، صاغ فيها ملامح إنسانية، تعني الإنسان دون ملامسة الجسد أو الشكل المباشر.
الاهتمام بالجانب الجمالي
مع أن الكثير من أعمال الفنان تحمل فكرة ذات صلة بقضايا المجتمع برمزية عالية إلا أن المتلقي يتجه إجباريًّا نحو الجانب الجمالي في تكوين العمل نتيجة ما يمتلكه الفنان محمد الثقفي من قدرات على تحويل الشكل إلى حالة من الإقناع؛ فهو يحرص على التعامل مع الكتلة بعناية وكأنه يحاور جسدًا مستسلمًا لمبضع التشريح، يعيد الصلابة إلى ليونة، كالنسمة تتراقص كالموج، يشعرك بتماس بصري، يبعث فينا ويستفز ملكة النظر إلى الأشياء بعيون تستكشف سر الجمال الذي يسكن أجزاء ذلك الجسد في كل قطعة أبدعها الفنان الثقفي، جمع فيها حالات نراها وقد لا تكون ضمن أجندة التنفيذ.. إنها تتضاد وتتلاقى دون نشاز في حركتها العفوية. فالفنان الثقفي يتعامل مع إبداعه بغزل آسر، يزاوج به كل جزء في الكتلة بالأجزاء الأُخَر، يفكك الكتلة ويرسمها في مخيلته، قبل أن يتعامل معها بأدواته بناء على وحي جمالي، البعض منه مختزل في العقل الباطني، والآخر وليد اللحظة، يدفع الفنان الثقفي إلى تفعيل حالات البحث والتقصي والمقارنة الافتراضية بين ما كانت عليه القطعة وما أصبحت عليه.
ويجبرنا على جمع شتات لحظة الدهشة، ووضعها في مسارها الصحيح، فكل شكل يثير تساؤلاً، ويبعث على الإحساس بالحاجة للإشباع البصري. يبحث الفنان الثقفي عن الجديد، ويسعى إلى أن لا تكون أعماله صدى لأعمال سابقة أو تقليد مباشر لغيره، بقدر ما يتسلل من خلال كل زاوية في إبداعاته؛ ليشعرنا بحقيقة روحها التي تسبح للخالق - عز وجل -.