د.محمد بن سعد الشويعر
استكمالاً لحديثنا في الأسبوع الماضي عن التيارات الفكرية وحقائقها عبر التاريخ، فلو مثلنا لذلك بالحالة الاقتصادية المبنية في المجتمع الغربي على الربا والأرباح المركبة، فإن المسلم يستطيع أن يرد عليهم من خلال بيان سبب تحريمه واعتباره محاربةً لله عز وجل ولرسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} البقرة الآيات 275-279، والربا فيه احتكار للمال، وإضرار بالمجتمع، وتضييق على الفقير، وزيادة فقره، وتضييق مجال العمل أمامه، وبطر للغني وزيادة غناه.
وهذا جزء بسيط من بعض ما ينظر إليه الإسلام، ويهتم به ويوضحه للعوام، لأنه من التعاون والترابط الاجتماعي، وعدم نقمة الفقير على الغني، كما قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (32) سورة الزخرف.
ولأن المال هو عصب الحياة، وشريانها النابض، كما يقول المختصون في هذا المجال، فإنه يجب أن يرسخ في أذهان الشاب ركائز الإسلام في تمكين قواعد التوجيه فيه، واختلاف منهجه عن نظرة الماديين، وأصحاب المبادئ الأخرى، والإبانة عن وسطية الإسلام في تسيير المال لشؤون الحياة، بين المذهبين المتحكمين عالمياً اليوم: «الرأسمالية والاشتراكية» كما سقطت الشيوعية بتفكك نظامها وانقسام دولها وتحلل نظامها الشيوعي.
وقول الحق سبحانه: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} ويقول سبحانه: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، وعمل الأديب في المجتمع الإسلامي يجب أن يكون متشبعاً بفكر هذا الدين، منطلقاً من أسلوب دعوته، مدافعاً عن دينه أمام كل دخيل في هذا المجتمع؛ لأن أعداء الإسلام يحرصون على تغيير شخصية والتزام أبناء المسلمين، ويرون الأدب وسيلة من تلك الوسائل، وأنه أقصرها منفذاً.
وإن إيقاف الزحف الفكري الموجه للشباب عن طريق مسارب الأدب، يحتاج إلى تنمية الأصالة في الشباب، وربطهم بجذور لغتهم، ومكانة دينهم، وسموّ تعاليمه، وشمولية فوائده، وإثبات ذلك بالوقائع والبراهين، وتعميق الجذور التراثية من نفوسهم ذلك الوتر الذي يضرب عليه أعداؤهم ليباعدوا بينهم وبينه، وليجعلوا نفوسهم في شك من الماضي، وإن من تنمية الأصالة زرع الثقة في الشباب، وأنهم بفهم دينهم قادرون - بإذن الله - على تحمل الواقع بدون استناد على هذا الفكر، والثقافة الوافدين إليهم من بلاد توسم بالرقي والحضارة والتقدم.
وإذا أدرك الموجهون للشباب مثل هذا النص الكريم: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} البقرة آية 120، ثم بثّوه بينهم عقيدة ومنهجاً فإنه سيكون منهم من يدرك الحجاب الذي يجب الاحتماء به، والشخصية المستقلة التي تحسن مجابهة تلك الأفكار الهدامة.
فكن فاهماً وواعياً ووازن الأمور ولا تغيرك مفاهيمٌ مغلوطة وتنبهر بحضارة وأفكار ومذاهب هدامة فيتقاذفك الموج يميناً ويساراً فقد قيل:
يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
هدانا الله جميعاً لما فيه الخير والصلاح