فهد بن جليد
فيما يشبه الهدنة بين الشباب و(شانزليزيه) العاصمة، تخلت أرصفة ومقاهي ومطاعم وممرات شارع التحلية الشهير بالرياض عن بهرجتها وسلبها للأنظار بخطوط الموضة التي يرتديها رواده، وبأصوات محركات السيارات الفارهة التي يدور بها أصحابها دون أي هدف أو غاية، واستبدلتها بصراخات (ابن الرازي وابن سينا) على طريقة (يا أهل الرياض.. يا معشر التحلية، هلمُّوا لأخبركم عن عصر قدنا فيه النور والعلم للبشرية)!
يبدو أن أمانة مدينة الرياض نجحت في تغيير صورة هذا الشارع الشهير، وتنظيفه من الممارسات الشبابية الخاطئة لنحو أسبوع كامل، عاش فيه رواده لحظات ثقافية ومعرفية وفنية، فيما يشبه (فن الشوارع) المعمول به في أشهر الشوارع العالمية، من خلال مهرجان (الشارع الثقافي) الذي يعد أول فعالية ثقافية من نوعها تقدم في الهواء الطلق بالرياض!
الأمر يستلزم أن تسير على قدميك لنحو 3 كيلو مترات وأنت تتنفس وتستنشق الثقافة والفنون والإبداع من الشارع الأشهر، الذي ظل لعقود طويلة أحد أكثر شوارع المملكة ضوضاء وإثارة، كونه محط أنظار الشباب ومقصد زائري الرياض من كل مكان للتعرف على آخر التقليعات الشبابية فيه!
كنت أراهن على فشل هذه التجربة، كونها تقام في منطقة مفتوحة، وفي واحد من أكثر شوارع السعودية شباباً عندما تجتمع فيه كل الثقافات والأفكار التي يصعب التحكم بها، لأن نسبة كبيرة من المشاركين في هذه الفعالية هم من النساء، كما أن غالبية الزوار هم من العائلات أيضاً، ولكن توقعي كان خاطئاً وأنا أسير مع الأخ الصديق المهندس إبراهيم الهويمل المشرف على الفعالية ومدير الحدائق بأمانة الرياض، وهو يشير إلى الانضباطية الكبيرة التي ظهر بها الشارع، وخلوه من أي مظاهر غير لائقة بهذه المناسبة، بفضل تكاتف وتعاون عدة جهات لإنجاح الفعالية معهم، وبفضل حماس المشاركين من كل مناطق المملكة..
يستحق هؤلاء الشباب أن نرفع لهم (العقال عوضاً عن القبعة) كونهم تفوقوا على أنفسهم أولاً بهذا النجاح الباهر والتنظيم الرائع، ثم تغلبوا على كل الظروف المحيطة والخاصة لهذا الشارع، وإخراج الفعالية بطريقة مختلفة ومُغايرة وسط شارع التحلية الذي تعودنا على إغلاقه أمام السيارات في كل المناسبات لمنع الدوران وتجمع الشباب فيه، مما ينتج عنها تصرفات خاطئة لا يقبل بها أحد!
شكراً لأمانة الرياض أن أعادت لنا اكتشاف شارع التحلية من جديد، وهذا هو التحدي الأكبر.
وعلى دروب الخير نلتقي.