د. خيرية السقاف
من دعامات شخصية الفرد الثقة بالنفس، وهي ليست غريزة ولا سجية، إنما هي غرس وتمكين، تؤسس بالتوعية والدربة وزج الفرد في مواقف فترة التنشئة، وما بعد التكليف، وهي ثمرة للإفهام المقنن، والتنويع المدروس للخبرات يتلقاها الفرد في محاضن التنشئة والتعليم ومن ثم يدرج على الوقوف متفكراً، وفاعلاً، ومتخذاً موقفه بثقة من يعرف الصواب في قراره ومسلكه، ومن يبعد النظر في عواقبه فيفحصها، فيكون الشجاع الماهر بثقته في نفسه، وهي حنطة عجين قراراته ومواقفه وآرائه ومعاييره ، بل صورة انفعالاته ولون ميوله ومكوّنات أقواله وأفعاله..
هذا الواثق من نفسه هو غير المضخم لهذه النفس، المغرور بها على غير وعي أو ثقة، بل إنّ من يغتر بنفسه إنما هو ضعيف يداري وهنه بمظهره، ويغطي عيوبه بعنجهيته، فيخطئ فيما يقول ويفعل، ويتخبط فيما يقر ويفكر،..
الواثق غير المغرور، والمُدرِك غير السادر، والفاهم غير المتداعي، والناضج غير الفج،..
وما يجري في شأن الثقة بالنفس ومآلاتها، وأفعالها، ومواقفها عند الفرد الواحد، يجري مع الجماعة، بمعنى أنّ هناك سلوكاً جمعياً ينبئ عن ثقة الناس بأنفسها، أو عدمها فيهم.
فالناس حين تجتمع على ثقة في ذاتها الكلية فلأنّ لها مجداً وحضارة، وإنجازاً وتأريخاً، وعراقة وثوابتَ ..
وهي هيَ التي تُبنى عليها سمعة الأمم..!
وإننا لا نشك البتة في أنّ مجتمعنا له مكوّناته، وقوامته، وتأريخه، وعراقته ذات الصفات والسمات، ذات الأسس المُفضية لأن يكون مجتمعاً واثقاً من نفسه، لا يتخبط كالجاهلين، ولا يبله كالأغبياء، ولا يتسرع كالحمقى، ولا يوهن كالفارغين، ولا يرعن كالسفهاء، ولا يخور كالفاشلين لا فرداً فيه، ولا جمعاً، يشد بعضه عضد بعضه بعضاً بثقة الواثق من موقفه، الراسخ في مبادئه، المكين من مكنونه، الفاحص لفجاجة ما حوله، المدرك لأبعاد واقعه، {هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}، وقد شدّ الله عضده بأخيه فقويت ثقته، وتمكن من موقفه، وزاد قوة لرسالته..
أما وإن مؤثرات ما حول من القوة الجارفة بحيث يمكنها أن تُفقد الفرد، والجماعة ثقتهم في أنفسهم، وفي بعضهم، فإنه الطَّرْق المُنذر بالفشل ..
فما كان الجميع إخوة ، على ثقة من النفس في النفس، وفي الذات الجمعية فإنها قاصمة ظهر كل من ينخر في الخفاء، ويعبث في الظلمة..
وإنها لمسؤولية الجميع الثقة في بعضهم، وتدريب الناشئة على الثقة في أنفسها، وفي الناس من حولهم يشاركونهم التربة والماء، والثمرة والليل، يستنشقون معاً أنفاس الصبح ومفردات الأبجدية، وماضياً هم امتداد لتأريخه، ووطناً هم في نسيج كيانه.
إنّ الثقة في الذات ، وفيمن حولها ومعها أساس وقاعدة لأي نسيج، والناس من تشيد بها على هذا النسيج أبنية نجاحها، أو فشلها.